محمد علي باشا بين منامين
محمد علي باشا بين منامين
ولد محمد علي بن إبراهيم أغا المسعود على الأرجح في عام 1769
في مدينة "قوله" التي تقع على بحر إيجه بدولة اليونان الآن وهي تحريف
لكلمة "لاكافالا" التي أطلقها عليها البنادقة وتعني بالإيطالية الحصان
وهي تكاد تكون امتداد لاسم تلك المدينة التي سماها الإسكندر على اسمه جواده
"بوسيفلا". في تلك المدينة نشأ محمد علي لأب يعمل رئيسًا لخفر الطرق في
المدينة، ولأم تُعرف باسم "زينب".
ومع الأم نبدأ بالمنام الأول فقد كانت أمه كما
يقول "إلياس الأيوبي" حادة الشعور، حمساء الخيال، ودليله على ذلك ذلك
الذي رأته في منامها وهي حامل بابنها، وإن لم نعرف على وجه اليقين فحوى هذا الحلم،
إلا أن تفسير بعض العرافين لما رأته يوحي بأمر جليل، فقد أكدوا لها أن هذا الحلم
يبشر بمستقبل عظيم لمن في بطنها، وقد كانت تلك المرأة حريصة على أن تضع في ذهن
ابنها، حينما بلغ من السن ما جعله قادرًا على الفهم، ما سبق لها أن رأته في منامها
وذلك كي توجد لديه الغريزة نحو تحقيق هذا الحلم، وتنمي فيه هذا الأمل.
الأمر الغريب هو أن حال تلك الأسرة لم يكن يوحي بشيء من
هذا القبيل إذ إنها لم تكن أسرة عظيمة ضاع مجدها ورأت الأم أن وليدها سوف يعيد هذا
المجد، فالوالد لم يكن يستطيع أن يكفي أعباء أسرته ومعيشتها وقد كان وفاة أبناءه
صغارًا ما مكنه من أن يوفر سبل الحياة لابنهم "محمد علي" فعمل والده في
خفر طرق المدينة لم يكن مجديًا ماديًا، بل إن هذا المال القليل كثيرًا ما كان
يتأخر كعادة رواتب ذلك الوقت.
أما المنام الثاني فقد رآه "محمد علي"
نفسه، فبعد أن فقد والديه في سن السادسة وكذلك عمه "طوسون أغا" الذي
كفله بعد والديه انتقل "محمد علي" إلى بيت "إسماعيل شوربجي"
قوله أي حاكما فقد كان على علاقة بعائلة "محمد علي" وهناك في هذا البيت
تعرف "محمد علي" على المسيو "ليون" صاحب محل تجاري رأى في "محمد
علي" نباهة وذكاء كذلك تعرف على أحد الشيوخ الذين كانوا على علاقة ببيت
الشوربجي وكان ذلك الحاكم قد رأى في "محمد علي" دلائل النباهة، وتوطدت
أواصر العلاقات بين الشاب "محمد علي" والشيخ الوقور، وهنا فاتح "محمد
علي" الشيخ بأمر ذلك الحلم الذي رآه.
فقد رأى "محمد علي" ذات ليلة وهو نائم أنه ظمئ
ظمأ شديدًا، فشرب كل ماء نهر النيل ولم يرتو، فلما كان الصباح قص على الشيخ ذلك
المنام فما كان من الشيخ إلا أن قال له "أبشر يا بني: فإن منامك يعني أنك
ستملك وادي النيل بأسره، ولن تكتفي به، بل ستسعى إلى إمتلاك أقطار غيره!"
أين "محمد علي" وأين مصر منه وهو في قوله ولكن
القدر على ما يبدو فعل فعلته فمع مجئ الحملة الفرنسية وإطلاق الدولة العثمانية
نفير الجهاد، فما كان من إسماعيل شوربجي قوله إلا أن جهز ثلاثمائة جندي بقيادة
ابنه واستدعى "محمد علي" للانضمام إليها، وهنا كان الرفض من جانب "محمد
علي" فكيف له أن يترك رغد الحياة ويذهب للحروب والقتال، الأمر الذي كان يمثل
هروب من المصير والقدر، لولا أن قابله ذلك الشيخ الوقور الذي سبق وفسر حلمه، وقد
كان حديث الشيخ معه تحولًا لرفض "محمد علي" السابق، فقد أكد له ذلك
الشيخ "أن الطريق طويلة ولكنها توصل إلى العلا وأبان له خطأه الشديد"
وبالفعل كان مجئ "محمد علي" لمصر بداية لتحقيق حلمه وحلم زينب والدته.
الحقيقة أن قصة حكام مصر مع الأحلام طويلة لا تنتهي وهذه
المنامات أو الأحلام تبدأ منذ قبل الميلاد ومستمرة حتى وقتنا الحالي، فتحوتمس
الرابع وهو الملك الثامن في الأسرة الثامنة عشر، وقد حكم من الفترة 1401 إلى 1391
ق.م، جاءه كما قال الإله
"رع" في منامه وأخبره بأنه لو أزال التراب من حول جسد "أبو
الهول" فسوف يجعله حاكمًا لمصر، وبالفعل قام تحوتمس الرابع من فوره بهذا
التكليف وحصل على حكم مصر، ومن أظرف ما قيل في هذا الأمر تلك العرافة التي قابلت
الرئيس السادات وزوجته، في أحد خروجاتهم وقت الملكية وقبل قيام حركة الضباط
الأحرار في 23يوليو 1952 ، وقرأت لها الكف وأخبرتها بأنه ستكون ملكة مصر وحينما طلبت
من السادات يده أخبرها ساخرًا إذا كانت ستكون ملكة فالبتأكيد سيكون هو الملك.
لا يمكن القطع بصدق تلك الأحلام لكن بالتأكيد هناك حلم
صادق وهو حلم سيدنا يوسف الذي قصه على أبيه سيدنا يعقوب، وقد حدث بالفعل، حيث تبدأ
مع إخباره بأمر الحلم "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي
رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي
سَاجِدِينَ" ثم في سياق السورة ومع استمرار الأحداث يخبر سيدنا يوسف أبيه
سيدنا يعقوب حينما أحضره وإخوته لمصر "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ
وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن
قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ
السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ
بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"
تعليقات
إرسال تعليق