بن خلدون ونظرية النمو السكاني



بن خلدون ونظرية النمو السكاني
ولد عبد الرحمن بن خلدون في تونس عام 1332م وهو من أصول حضرمية أندلسية تعود إلى مدينة أشبيلية، جاء إلى مصر وتقلد قضاء المالكية في عهد السلطان برقوق واستقال من منصبه ليتفرغ للكتابة والتدريس ليخرج لنا العديد من المصنفات أخطرها وأهمها "مقدمة بن خلدون" وكتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" وقد اشتهر هذا الكتاب باسم "تاريخ بن خلدون"، وكانت مقدمة ابن خلدون هي في الأصل مقدمة لذلك الكتاب الضخم لكن تم التعامل معها ككتاب منفصل تضمن العديد من ميادين المعرفة كعلم الاجتماع والجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والسياسية والطب والأحياء، وقد توفى ابن خلدون في مصر ودفن بمقابر الصوفية بالقرب من باب النصر عام 1406 وقبره الآن غير معروف.
منزل عبد الرحمن بن خلدون في تونس

يُعد عبد الرحمن ابن خلدون واحدًا من عظماء العالم الموسوعيين، استطاع من خلال مؤلفاته أن يفتتح الطريق نحو الكثير من العلوم التي أخذت وضعها الآن كعلوم مستقلة، كالحال في علم الاجتماع، وعلم الاقتصاد، بل وعلم الأحياء. وقد أشار المنصفون إلى أن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع سابقًا عالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت الذي نسب إليه تأسيس علم الاجتماع، وقد أكد ابن خلدون في مقدمته المشهورة باسم "مقدمة ابن خلدون" أن الغرض من تأليفه تلك المقدمة هو البحث في ذلك "العلم المستقل الذي موضوعه العمران البشري والاجتماع".
أملاك عائلة بن خلدون في أشبيليه بأسبانيا حاليا

ومن خلال دراسة ابن خلدون للعمران توصل إلى العديد من النظريات الاقتصادية التي تعتبر مبادئ أساسية لعلم الاقتصاد الحديث، كدراسته للأساليب الإنتاجية وانتقالها من البداوة إلى الحضارة، وكذلك دور الصناعة في الازدهار الحضاري، ويبدو أنه كان من أصحاب عدم تدخل الدولة مباشرة في الاقتصاد، حريصًا على ألا تتحول إلى جابي يضيق الخناق على أهل الصناعة والعمل من مزارعين وحرفيين.
كما كان عبد الرحمن ابن خلدون واحدًا من المساهمين في علم الجغرافيا وفروعه المتعددة ومنها الجغرافيا السكانية وهو ما سنتناوله في الفقرة التالية، وكذلك إسهامه في علم الجغرافيا السياسية بل إنه وضع ما اصطلح عليه باسم "دورة حياة الدولة" مؤكدًا على مراحل أربعة تمر بها الدولة وهي (النشأة، والثبات، والنضج، والاضمحلال" وليس عندي شك في أن العالم الألماني فريدريك راتزل قد تأثر بكتابات ابن خلدون وأنها اقتبس ـ وإن كانت الحقيقة سرق ـ فكرة ابن خلدون فيما عبر عنه من أن الدولة كائن حي تمر بمراحل ثلاث وهي "الميلاد، النمو، الوفاة"، والأمر واضح لكل لبيب.
نظرية بن خلدون عن النمو السكاني
يضاف إلى ما سَبق من سَبّق شارك العلامة ابن خلدون في وضع نظرية لدورة السكان وذلك من خلال ملاحظته المتأنية للأمم القديمة، ويرى الدكتور عبد الرحيم عمران في بحثه "سكان مصر في الماضي والحاضر" بكتاب "مصر مشكلاتها السكانية وتطلعاتها" أن هذه النظرية لا تزلا أفضل تفسير للتغير السكاني في الفترات قبل الحديثة.
 افترض ابن خلدون أن الدورة السكانية تبدأ بإرساء نظام حكومي قومي، جيد التنظيم، يتبعه استقرار سياسي، ورخاء اقتصادي، يعتمد على زيادة الإنتاج الزراعي، وتقسيم العمل، والتخصص، ويؤدي كل ذلك إلى ارتفاع مستوى المعيشة ونمو السكان، وبعد مرحلة من الرخاء والرفاهية تأتي مرحلة من "الفخفخة" والفساد تؤدي إلى عدم استقرار اجتماعي واضطراب سياسي وضعف سلطة الدولة، وتتميز فترة التدهور هذه بنقص في عدد السكان، وبعد ذلك، وعند ظهور قيادة جديدة، إما من داخل الدولة أو من خارجها، تبدأ مرحلة جديدة من مراحل الاستقرار السياسي، وبالتالي تبدأ دورة أخرى في الحركة، ويشير ابن خلدون إلى اختلاف مدة الدورات السكانية هذه من وقت لآخر ومن مكان لآخر إلا أنها عادة ما تشمل عدة أجيال.
وقد ميز ابن خلدون بن الدورات السكانية بالإشارة إلى وجود دورات سكانية عظمى ودورات سكانية صغرى، مشيرًا إلى أثر القوى الطبيعية والوبائية في إحداث تلك الدورات وبالتالي فقد ميز بين العوامل الطبيعية والبشرية في إحداث تلك الدورات السكانية، مؤكدًا على أن الطبيعة هي المسئولة في الغالب عن تلك الدورات السكانية الصغرى، ومن تلك الدورات الصغرى اشار ابن خلدون إلى ما حدث في مصر في عهد سيدنا يوسف وحلم فرعون مصر والسبع السمان الذين يأكلهن سبع عجاف.
والشكل التالي يوضح نظرية ابن خلدون بالنسبة للتغيرات السكانية
تصور لنظرية النمو السكاني عند بان خلدون

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اللامدرسية "التمدرس المنزلي" De Schooling

حجاج الخضري ... قائد أهالي الرميلة في حرب 1805 "الأهلية"