اسمك مش عاجبني!!! جمهورية شمال مقدونيا
اسمك مش عاجبني
جمهورية شمال مقدونيا
يذخر المشهد السياسي العالمي بالعديد من المشاكل السياسية التي انعكست
سلبًا أو أيجابًا على العالم أجمع، وذلك على حسب مستوى تلك المشكلة وعمقها وآثارها
العابرة للحدود من المحلية إلى الإقليمية وصولًا للعالمية. والمشكلات تتنوع فنجد
مشكلة خاصة بحد سياسي على اليابس كتلك العالقة بين السودان وجمهورية السودان
الجنوبية أو في المياه الإقليمية كذلك النزاع الدائر بين الصين والفلبين وتايوان
وماليز وفيتنام وبروناي حول جزر بحر الصين الجنوبي، وهناك نزاع آخر بسبب أقلية
تريد أن تنتزع إستقلالها من دولة ما مثل الحال في إقليم قطالونيا ورغبته في
الاستقلال عن إسبانيا، أو مشكلات سياسية عالقة مثل مشكلة فلسطين وما تحمله من
قضايا سياسية تشمل تقريبًا كل أنواع المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية، لكن رغم ذلك تبقى مشكلة جمهورية شمال مقدونيا مشكلة غريبة نوعًا ما.
اسمك مش عاجبني
حقيقة اسم دولة جمهورية مقدونيا لا يعجب دولة اليونان، خلاف سياسي يصل إلى
حد التهديد بمنعها من الانضمام لكثير من المنظمات الإقليمية والدولية واعتراض
طريقها بسبب اسمه الدولة الجديدة، تبدأ المشكلة مع انهيار دولة يوغوسلافيا
الفيدرالية وإعلان مقدونيا استقلالها عام 1991، تحت اسم جمهورية مقدونيا، الأمر
الذي أثار خلافات تاريخية قديمة، وأصرت اليونان على أن تغير تلك الدولة الجديدة
اسمها، واعترضت طريق تلك الدولة الناشئة الجديدة في انضمامها للاتحاد الأوربي وحلف
الناتو لخلافها حول اسمها، وكان لوقوع تلك الدولة الجديدة إلى الشمال من إقليم مقدونيا
اليوناني أن جدد النزاع الذي كان موجودًا منذ عهد جوزيب تيتو رئيس دولة يوغوسلافيا
السابقة، فقد اتهمت اليونان الرئيس تيتو بأنه يسعى إلى اقتطاع إقليم مقدونيا
اليوناني وضمه إلى مقدونيا اليوغسلافية تحت اسم مقدونيا الموحدة أو الإيجية نسبة
إلى بحر إيجه وجعل عاصمته مدينة سالونيك الواقعة على بحر إيجه، ونظرًا لأن ذلك
الميراث لم يمت تمامًا فإن اليونان واجهة مشكلة كبيرة مع ظهور تلك الدولة.
![]() |
دولة يوغوسلافيا السابقة |
نتيجة إصرار اليونان على تغيير مقدونيا اسمها تبنت الدولة الجديدة اسم طويل
جدًا وغريب نوعًا ما وهو (FYRM) the former Yugoslav Republic of Macedonia ويعني جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة، وقد
انضمت الدولة إلى حلف الناتو ومنظمة الأمم المتحدة تحت هذا الاسم لكنه اسم طويل
وغريب نوعًا ما، والأمر تتطلب مباحثات مع الجانب اليوناني للاتفاق على الاسم الأدق
واللائق للخلاص من تلك الأزمة السياسية، ووقوف اليونان في طريق مقدونيا للانضمام
للاتحاد الأوربي، وطبقًا لاتفاق بريزبا الموقع بين الدولتين تم الإتفاق على تغيير
اسم مقدونيا إلى جمهورية شمال مقدونيا.
![]() |
جمهورية مقدونيا الشمالية وإقليم مقدونيا اليوناني |
لكن يبقى التساؤل لماذا هذا الإصرار من جانب اليونان على أن تغير مقدونيا
اسمها؟
ترجع رغبة اليونان في أن تغير مقدونيا اسمها إلى العديد من الجوانب
التاريخية والسياسية، مبتدأين بالجوانب التاريخية فإن اسم مقدونيا يرتبط أشد
ارتباط بتاريخ فيليب المقدوني وابنه الإسكندر الأكبر وهو تاريخ له أهميته بالنسبة
لليونان حيث تعتبر نفسها الممثل الوحيد والشرعي لتاريخ الرجلين وتاريخ الثقافة والحضارة
الإغريقية واليهلينية التي سادت الحوض الشرقي للبحر المتوسط فيما بين عامي 323ق.م
إلى 146ق.م، ومن ثم فإن كل ما يمت بصلة للحضارة المقدونية هو أمر يوناني لا يمت
بصلة لدولة أو إقليم آخر، حتى أن شعار "شمس فرجينيا" الذي يعد شعارًا
يونانيًا كان جزء من ذلك الصدام التاريخي والثقافي، حيث تعتبر اليونان ذلك الشعار
حكرًا لها، الأمر الذي جعل جمهورية مقدونيا تعدل ذلك الشعار الذي كانت قد اتخذته
شعارًا لها في علمها وغيرت اتجاه أشعة تلك الشمس لتختلف مع اتجاه أشعة شعار شمس
اليونان.
![]() |
الإسكندر الأكبر المقدوني |
تدعم اليونان قضيتها الجدالية مع مقدونيا من خلال الاستعانة بالتاريخ الأنثروبولوجي
،ومعناه علم الإنسان، لمنطقة شبه جزيرة البلقان التي تضم اليونان وجيرانها من
جمهوريات يوغسلافيا السابقة (صربيا،
والبوسنة والهرسك، وسلوفينيا، ومقدونيا، وكرواتيا، الجبل الأسود) وألبانيا
وبلغاريا ورومانيا وتركيا الأوربية، حيث أكد علماؤها على أن السلاف الجنوبيين
الحديثيين، الذين ينتمي سكان جمهورية مقدونيا إليهم، وصلوا بعد ألف عام من قيام
مملكة مقدونيا القديمة، وقد استاءت اليونان حكومة وشعبًا من قيام دولة مقدونيا
الحديثة من إطلاق اسم "الإسكندر الكبير" على مطار عاصمتها
"سكوبي"، كما أطلقت اسم الإسكندر على الطريق السريع المار من صربيا عبرها
إلى حدود اليونان، كذلك رفضت إقامة "سكوبي" لتمثال ضخم للإسكندر الأكبر
وهو راكبًا على حصانه حيث علقت وزارة الخارجية اليونانية أن حجم التمثال "يتناسب
عكسيا مع الجدية والحقيقة التاريخية"، كما تلقى المشروع انتقادات من قبل
الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياها بأنها "غير مفيدة". وتؤكد النظرة
اليونانية أيضًا أن اسم مقدونيا كمصطلح جغرافي يستخدم تاريخًيا للإشارة إلى
الأجزاء الجنوبية واليونانية من المنطقة (بما في ذلك عاصمة المملكة القديمة ،
بيلا)، وليس فقط أو بشكل هامشي إلى أراضي جمهورية اليوم. . ويشيرون أيضًا إلى أن
الإقليم لم يُطلق عليه اسم مقدونيا ككيان سياسي حتى عام 1944.
![]() |
شعار دولة مقدونيا 1991-1995 |
![]() |
شعار "شمس فرجينيا" الجديد لجمهورية مقدونيا على علمها الحالي |
ونظرًا لأن هذه الدول تقع في العالم الأوربي المتقدم فإن مثل هذا النوع من
المشكلات يحول دون تقدمها وتحقيق طموحاتها ورفاهية شعوبها فقد تم توقيع اتفاقية
بريسبا، في 17 يونيو 2018 في احتفال رفيع المستوى في قرية بسرادس الحدودية
اليونانية على بحيرة بريسبا ،وقد عبر تسيبراس رئيس الوزراء اليوناني مع نظيره
المقدوني الحدود إلى الجانب المقدوني لبحيرة بريسبا لتناول طعام الغداء في قرية
أوتسيفو ، في خطوة رمزية للغاية كانت المرة الأولى التي يدخل فيها رئيس الوزراء
اليوناني جمهورية مقدونيا منذ أن أعلنت استقلالها في عام 1991. وقد أسفر الاتفاق
على انسحاب الفيتو اليوناني عن موافقة الاتحاد الأوروبي في 27 يونيو على بدء
محادثات الانضمام مع جمهورية مقدونيا ، والتي من المتوقع أن تتم في 2019 ، بشرط
تنفيذ صفقة بريسبا وتغيير الاسم الدستوري لمقدونيا. إلى جمهورية شمال مقدونيا، وفي
5 يوليو تم التصديق على اتفاقية بريسبا
مرة أخرى من قبل البرلمان المقدوني حيث صوت 69 نائبا لصالحها. وفي 11 يوليو دعا
حلف الناتو مقدونيا لبدء محادثات الانضمام في محاولة لتصبح العضو الثلاثين في
التحالف الأوروبي الأطلسي. وفي 30 يوليو ، وافق برلمان مقدونيا على خطط لإجراء
استفتاء غير ملزم لتغيير اسم البلد الذي حدث في 30 سبتمبر. صوت 91٪ من الناخبين
لصالح التصويت بنسبة 37٪ ، وكان لابد من موافقة ثلثي أعضاء البرلمان لكي يتم تمرير
الاتفاق وتغيير اسم الدولة وهو ما أنجز في 11 يناير 2019، حيث وافق البرلمان على
التعديلات الدستورية التي تتطلبها اتفاقية بريسبا من قبل 81 نائبا يصوتون من أصل
120.
![]() |
رئيسا وزراء مقدونيا واليونان (بالترتيب) زوران زاييف وأليكسيس تسيبراس اليوناني |
يبلغ عدد سكان جمهورية مقدونيا الشمالية 2 مليون نسمة يعيشون في مساحة تبلغ
25.7 الف كم2، يتوزع سكان مقدونيا بين عدة قوميات أكبرها القومية
المقدونية بنسبة ثلثي سكان الدولة مع قوميات ألبانية وتركية ورومانية وصربية، يدين
65% من سكان الدولة بالديانة المسيحية على المذهب الأرثوذكسي، ويأتي الإسلام في
المركز الثاني بنسبة 33%، وبذلك تعد دولة مقدونيا خامس أعلى دولة في أوربا من حيث
عدد معتنقي الإسلام فيها بعد كل من كوسوفو (96%)، وتركيا (90%)، وألبانيا (59%)
والبوسنة والهرسك (51%)، ويمارس المسلمون شعائرهم في مساجدهم البالغ عددها 580
مسجد، الأمر الذي قد ينعكس بشكل إيجابي على قضايا المسلمون في أوربا إذا ما أصبحت
تلك الدولة عضوًا في الإتحاد الأوربي.
تعليقات
إرسال تعليق