مدينة فاطمة ... سانت فاتيما
مدينة فاطمة ـ سانت فاتيما
من الأمور التي مرت على ذهني مرور غريب وتعاملت معها بشكل طبيعي ذلك
الميدان الذي يحمل اسم "ميدان سانت فاتيما" وتلك الكنيسة التي تحمل نفس
ذات الاسم "سانت فاتيما" كيف تكون فاتيما سانت؟ بطريقة أخرى أو ترجمة
ثانية كيف تكون فاطمة قديسة؟ فمن المعروف أن اسم فاطمة من الأسماء الإسلامية وقد
ارتبط واشتهر هذا الاسم بأحد بنات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ليس هذا فقط بل
وزوجة سيدنا علي بن أبي طالب الخليفة الرابع وذلك الرجل الذي يحبه الله ورسوله كما
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، ووالدا سيدنا الحسين والحسين سبطا
الرسول وسيدا شباب أهل الجنة.
الاسم جديد على مصر وقد ارتبط ظهور هذا الاسم في مصر ببناء الكنيسة الكاثوليكية والتي عرفت باسم "سانت فاتيما"، وهي عبارة كاتدرائية للكلدان تتبع الطقوس السريانية الشرقية بالتواصل الكامل مع البابا في روما، ومع إنشاء ضاحية مصر الجديدة وتزايد أعداد الكاثوليك بها تقرر إنشاء كنيسة جديدة تستوعب اعدادهم فأنشئت هذه الكنيسة عام 1950م حاملة طراز الكنائس الأوروبية وأطلق عليها اسم كنيسة سانت فاتيما وتم افتتاحها عام 1951م، وهي تعمل ككنيسة رئيسية أبرشية القاهرة الكلدانية والتي تم ترقيتها إلى وضعها الحالي في عام 1980 على يد البابا يوحنا بولس الثاني، وعرف الميدان المطل عليها باسمها، لكن من أين أتى هذا الاسم؟ كيف تكون فاطمة قديسة؟
كان لكتاب "جغرافية المدن" للدكتور جمال حمدان هو سبب ذلك التوقف
والتساؤل عن "سانت فاتيما"، ويرجع الأمر إلى دولة البرتغال الكاثوليكية فهناك
مدينة تعرف باسم مدينة "فاطمة" وهي واحدة من مواضع المدن الدينية الميتافيزيقية
التي ليس لها علاقة بالمنطق والمزايا الجغرافية، فالمدن الدينية ليس لها مواقع بل
مواضع فقط ومواضع خارقة، فحيث الرؤى والمعتقدات وأحيانًا الخرافات تنشأ المدن
الدينية، فمكة في "وادٍ غير ذي زرع" وسفاقص بتونس حيث مدفن شيخ مثل سيدي
منصور، ورؤيا مثل كهف لورد ومحط طير حيث أسست اللاذقية وبصورة جغرافية مثلما تحدد
موضع تريشينوبولي الشبيه بالبقرة التي يقدسها الهندوس، وبنوم بنه في كمبوديا حيث
دفن فيضان مخرب في القرن 14 عن تمثال دفين لبوذا، وكانت المناطق المرتفعة كالجبال
والتلال والصحاري ملاجئ للمضطهدين فيلاحظ أن وادي النطرون وسانت كاترين مراكز
للأديرة الكبيرة.
يرجع إنشاء مدينة "فاطمة" إلى القرن الثاني عشر وذلك أثناء حروب
الممالك المسيحية في شبه جزيرة أيبريا ضد دولة المرابطين ومن بعدها دولة الموحدين
في الأندلس، فطبقًا لمؤلف كتيب فاطمة "ليو ماديجان" أنه في عام 1158 حدث
أن وقعت مجموعة من المسلمين في الأسر وتم عرضهم على الملك ألفونسو هنريك ملك البرتغال،
وهناك شاهدها الفارس "غونزالو هيرمينجيس" فأعجب بها، وطلب من الملك أن
يتزوجها ولم يعترض الملك بشرط أن توافق على ذلك وأن تعتنق المسيحية، وتذهب رواية
"ليو ماديجان" أن "فاطمة" شعرت بالحب تجاه ذلك الفارس فأعلنت
مسيحيتها قد تتزوج منه، وقد تم تعميدها وتغيير اسمها من "فاطمة" إلى
"أورينا" وكانت هدية الملك للعروس قرية صغيرة تعرف باسم
"آبديجاس" وقد عاشت فيها "فاطمة" مع زوجها حتى توفيت، وخلال
تلك الفترة القصيرة التي قضتها "فاطمة" في قرية "آبديجاس"
عُرف عنها حب الفقراء والرفق بهم فأحبوها، ولكنها ماتت صغيرة السن ودفنت في تلك
القرية وقام زوجها ببناء كنيسة تذكارية على قبرها الذي عُرف بكنيسة فاطمة حتى صارت
علمًا على القرية فعرفت باسم "قرية فاطمة".
![]() |
موقع مدينة فاطمة بدولة البرتغال |
![]() |
كنيسة ومزار السيدة فاطمة |
وكانت تلك القرية مع حدوث ظاهرة تجلي للسيدة فاطمة في صورة السيدة العذراء كما يدعون عام 1917 وقدظهرت لثلاثة أطفال، وقد زادت مكانة تلك القرية بعد تلك الحادثة كثيرًا الأمر الذي جعلها واحدة من أهم مدن الحج في العالم، وتستقبل مدينة فاطمة ما بين 6-8 مليون حاج سنويًا لمعايشة تلك المعجزات وزيارة الأضرحة والقبور المسيحية المقدسة في المدينة، الأمر الذي انعكس على مستوى الخدمات المقدمة في تلك المدينة حيث تضم العديد من الفنادق العالمية يعتمد اقتصاد المدينة على السياحة الدينية حيث يمتلك السكان المحليين العديد من المتاجر والأكشاك المخصصة لبيع المواد الدينية والهدايا التذكارية.
![]() |
لوسيا دوس سانتوس يسارًا مع أبناء خالتها فرانسيسكو وجاسينتا مارتو 1917 |
وبمناسبة تلك المدينة فإن دارسوا المدن الدينية قام بتقسيمها إلى خمسة أنواع:
مدن الحكم الديني مثل روما والقيروان والقسطنطنية، والمدن التذكارية أو الرمزية
مثل القدس وبيت لحم والناصرة، ومدن المدافن والأضرحة مثل سيدي براني وسيدي منصور،
ومدن الأديرة ويقابلها في الإسلام مدن
الزوايا مثل زوايا السنوسية في جغبوب وسيوة، ومدن الحج مثل مكة والمدينة وطنطا مكة
مصر، وإلى هذا النوع الأخير تنتمي مدينة فاطمة في البرتغال، ومن أهم خصائص مدن الحج اللاندسكيب المدني
الديني حيث شوارع وأحياء برمتها دينية بحتة وغابة كثيفة من المآذن أو الكنائس، وتعاني
مدن الحج من مشكلة حقيقية وهي التموين فمعظم تلك المدن تقوم في مواقع وبيئات ضد
مدنية ورغم ذلك تشهد فيضانًا بشريًا الأمر الذي يخلق أزمة تمونية في الموسم، لذا
تعتمد على استيراد كل الحاجيات تقريبًا من الأطعمة والماء، الأمر الذي يجعلها
مناطق غلاء شديدة.
تعليقات
إرسال تعليق