صور ملفقة Photoshop

صور ملفقة Photoshop
التلفيق والتزوير أمرًا ليس بجديد فقد أشار إليه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حينما تحدث عن بعض أهل الكتاب " وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (آل عمران 78)، ومن ثم فإن التبديل والتحريف قديم قدم الكتب السماوية، ويرتبط به التزوير في الأوراق الرسمية، الذي يثبت لأناس حقوق ليست لهم.
وكنت أعتقد أن موضوع التلفيق والتزوير عبر استخدام الصور أمر جديد مع ظهور الكمبيوتر والبرامج المرتبطة به خاصة برنامج Photoshop ولكني وجدت أن هذا الأمر قديم ولما لا فلكل عصر أدواته التقنية وإمكانياته التي يمكن استخدامها وهي تتناسب مع ظروف ذلك العصر والوقت ويمكن للمحترفين أن يصلوا بها لمستوى يجعلها تنطلي على أناس كذلك طبقًا لمقاييس ذلك العصر. ويمكن أن نتناول بعض النماذج الدالة على ذلك التزوير.
الصورة الأولى؛
يقال أن أقدم صورة ملفقة في مصر قد نالت من واحد من كبار العلماء وأحد رجال الحركة الوطنية في مصر على مدى نصف وهو الشيخ "محمد عبده" كان الشيخ على خلاف مع الخديوي عباس حلمي الثاني رغم أن الخديو قام بإصدار مرسوم خديوي في 3 يونيو 1899بتعيين الشيخ "محمد عبده" في منصب الإفتاء وكان منصب الإفتاء قبل ذلك يضاف لمنصب شيخ الأزهر وبذلك كان ذلك إيذانًا باستقلال منصب الإفتاء، ويبدو أن العلاقة قد ساءت مع الخديو، خاصة مع ذلك التوجه الإصلاحي الذي ينادي به الشيخ محمد عبده وتلك الفتاوي التي كان يرى فيها البعض خروجًا عما توافق عليه العلماء في ذلك الوقت.
كانت العلاقة الجيدة بين "اللورد كرومر" والشيخ "محمد عبده" فرصة للمز الشيخ وإيغار صدر الخديو ضده، حتى أن اللورد كرومر رفض بشدة محاولة الخديو إقالة الشيخ من منصب الإفتاء، وكان  ذلك دافعًا لأن يتم إعلان الحرب على الشيخ محمد عبده وذلك من خلال جريدة ساخرة كانت تصدر في مصر في ذلك الوقت وتحمل عنوان "حمارة منيتي"، وكان صاحب تلك الجريدة "محمد أفندي توفيق" هو المتهم بأول صورة ملفقة في تاريخ الصحافة المصرية بل وفي تاريخ مصر تقريبًا.
الصورة الملفقة للشيخ محمد عبده
في مارس 1902 ظهرت صورة مسيئة وخارجة في ذلك الوقت للشيخ محمد عبده في باريس يقف بين سيدتين مرتكزًا على سور حديدي لحديقة في الخلف وكانت الواقعة إلى يمينه الأميرة نازلي فاضل ويجلس أمامه الشاعر التركي علي بك كمال بين سيدتين أخرتين، وقد علقت الجريدة على تلك الصورة بأن الشيخ يلوث مقام علماء الأزهر، وأن الشيخ لا يجوز له تمثيل الشريعة الإسلامية وأن عليه أن يترك منصبه ويذهب ليصبح خواجه، وقد كان الكلام الساخر والصورة دافعًا قويًا بأن قام الشيخ برفع قضية على الجريدة وصاحبها واتهمه بالتزوير والتلفيق، وقد صدر بالفعل حكم المحكمة بسجن صاحب الجريدة "محمد أفندي توفيق" ثلاثة أشهر وإغلاق الجريدة، بعد التأكد من أصحاب الخبرات في ذلك الوقت والذين أكدوا أن الصورة ملفقه وليست حقيقية، وقد لجأ "محمد توفيق" للقناصل الأجانب الذين تدخلوا وتمكنوا من استصدرا أمر قضائي آخر بعودة إصدار الجريدة لكن مع التزامها بمعايير الأخلاق وتحري الدقة.
 الصورة الثانية؛
ستالين وإلى يساره يازهوف ويمينه مولوتوف وفوروشيلوف
وهي صورة ليست مرتبطة بتاريخنا وشخصياتنا التاريخية، حيث ترتبط تلك الصورة بتاريخ الاتحاد السوفيتي والصراع بين أقطابه، في عهد جوزيف ستالين، الذي حكم الاتحاد السوفييتي من منتصف العشرينات حتى وفاته في عام 1953، وحمل لقب الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي في الفترة من 1922 إلى 1952 ورئيس الوزراء في الفترة من 1941 إلى 1953، سادت الأفكار اللينينية الماركسية في عهد ستالين وعُرفت سياسته باسم الستالينية، كانت هناك صورة يوجد بها ثلاثة أشخاص إلى جانب ستالين وهم نيكولاي يازهوف و فياشيسلاف مولوتوف و كليمنت فوروشيلوف.
الصورة بعد استبعاد يازهوف
 كان نيكولاي يازهوف وزيرًا للنقل المائي وفي تلك الصورة التي نتحدث عنها فإن أربعتهم يعاينون قناة البحر الأبيض، وقد استطاع يازهوف أن ينجز الكثير في هذا الميدان، وكان ستالين يحاول إغراقه في العديد من المهام والمناصب وذلك ليتمكن من تنحيته من منصبه القوي الممثل في وزارة الداخلية السوفيتية، وقد استطاع بالفعل تحقيق ذلك الأمر، ولكن بعد أن تمكن يازهوف من تخليص ستالين من الكثير من خصومه ومنافسيه السياسيين وذلك في فترة عرفت باسم عملية التطهير الكبرى. وكما تخلص يازهوف لستالين من خصومه فإنه ستالين تخلص من يازهوف وسقط ضمن من سقط في عملية التطهير الكبرى، وتم إعدامه عام 1940 واعتبر أحد أعداء الاتحاد السوفتي، لذا كان من الضروري أن يتم تطهير جميع الصور منه كما حدث في تلك الصورة الموضحة معنا.

 الصورة الثالثة؛
 وهي صورة حديثة تعود لعام 2010 مرتبطة بالقدرات التقنية المتاحة في ذلك الوقت، بالتأكيد لا يمكن إنكار أن التقنية في 2018 تضاعفت كثيرًا عما كانت عليه منذ ثمانية عشر عام، في تلك الصورة التي تخص الرئيس المصري محمد حسني مبارك ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما ورئيس المملكة الأردنية عبد الله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، في تلك الصورة التي نشرتها جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 14سبتمبر 2010 وفيها يقود الرئيس مبارك المشاركين في اجتماعات واشنطن على غير الحقيقة، فقد كانت الصورة الحقيقية يظهر فيها الرئيس مبارك يمشي في الخلف وراء نتنياهو الذي يسير بجوار أوباما.
صورة الأهرام نقلت الرئيس مبارك من الخلف للأمام
وقد حاول رئيس تحرير جريدة الأهرام وقتذاك "أسامة سرايا" تبرير ذلك الأمر باعتبارها صورة تعبيرية توضح مكانة ودور الرئيس مبارك في العملية السلمية ودور الرئيس في تحقيق السلام. ورغم ما تعرضت له الصورة من انتقادات فإن جريدة الأهرام لم تدخل في ذلك الجدال المثار حول الصورة إلى بعد أربعة أيام، وحينما ردت على لسان رئيس تحريرها لم تعتذر ولكنها أكدت على مصداقيتها بأنها لم تدعي أن الصورة كانت في واشنطن كشأن الصورة الحقيقية، ولكنها تشير إلى دور مصر في جولة مفاوضات المرحلة الثانية التي بدأت في شرم الشيخ وجعلت عنوان الصورة "الطريق إلى شرم الشيخ" بقيادة الرئيس مبارك.
 الصورة الرابعة؛
كنت أتمنى أن آتي بتلك الصورة الرابعة وهي صورة لأدولف هتلر الزعيم الألماني وهو يقود حركات جماهيرية معارضة ويتعرض فيها لإطلاق النار وهو يقف رابط الجأش، لكن الحقيقة أن هذه الصورة كانت مفبركة ومزيفة فقد كان هتلر أول من فر عند أول إطلاق للرصاص على تلك الجماعات التي كانت تثير الفوضى في ألمانيا وقتذاك، ولكن تم تركيب تلك الصورة ليظهر بمظهر البطل الألماني.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بن خلدون ونظرية النمو السكاني

اللامدرسية "التمدرس المنزلي" De Schooling

حجاج الخضري ... قائد أهالي الرميلة في حرب 1805 "الأهلية"