الملازم أول "الست تمر حنه"

الملازم أول "الست تمر حنه"
"الست تمر حنه" واحدة من خريجات مدرسة "الضابطات الحكيمات" التي تم إنشاءها في عهد محمد علي، وقد كانت نموذج رائع لخريجات تلك المدرسة وقد حصلت على لقب أستاذ الولادة وأمراض النساء، وكانت تقوم بكتابة تقارير يتم نشرها من خلال جريدة الوقائع المصرية، كما أنها كانت تقوم بالمحاضرة للطلاب الذكور في مدرسة الطب المصرية، وتم ترقيتها لرتبة ملازم أول، جراء تلك الجهود العلمية والطبية التي كانت تمارسها
يعد تأسيس مدرسة الحكيمات "الضابطات الصحيات" عام 1832من أبرز الجهود التعليمية التي بدأت في عهد محمد علي وكان لتلك المدرسة أثرًا جيدًا في الحالة الصحية والطبية لسيدات المدن الكبرى خاصة القاهرة، وقد بدأت تلك المدرسة بأزمة استطاع فيها محمد علي أن يتغلب على الكثير من الأفكار والمعتقدات السائدة في المجتمع المصري وهو ذلك الإنغلاق والجمود وحصار المرأة في الحرملك، يمكنك مراجعة المقالة الخاصة بالشيخات المحدثات في عصر المماليك بالمدونة، وكانت تلك الأفكار السائدة أزمة كبيرة في بناء وتكوين تلك المدرسة، ولكن أمكن التغلب عليها من خلال جهود الدكتور كلوت بك بأن آثر عدم الصدام وبدأت المدرسة ببضعة حبشيات وسودانيات، وتم وضع المنهج الدراسي الخاص بهم والذي تضمن تعلم القراءة والكتابة ثم تعلم الكثير عن علم وظائف الأعضاء والدورة الدموية وما يرتبط بحالة المولود والأم. كذلك وجدت المدرسة فيما بعد من اليتيمات والمشردات معينًا لمن يرغب في الانضمام إلى تلك المدرسة، وإن عانت في بعض السنوات من نقص الأعداد المطلوبة من الفتيات.
لعبت خريجات المدرسة "الضابطات الحكيمات" دورًا كبيرًا، مع خريجي مدرسة الطب، في مواجهة كثير من الأوبئة التي اجتاحت البلاد، كما أنهن قاموا بدورهن على أكمل وجه في الكورينتينات من خلال الكشف على السيدات اللائي كن يأتين مع الحجيج، فقد كان من الصعب أن يتم إجراء الكشف الطبي عليهن من قبل الرجال، كذلك كان لهن دورًا واضحًا في إجراء الكشف كذلك على المتوفيات من النساء في البلاد، وذلك للوقوف على أسباب المرض ووضع الخطط الوقائية اللازمة، وثمة ربط بين دور تلك المدرسة وخريجاتها في التقليل من معدلات وفيات الأطفال الرضع، من خلال معرفتهن الجيدة، والتي كانت لا تقارن بالطبع بمهنة الدايات غير المتعلمات، ويمارسن الأمر من خلال خبرات متراكمة.
وكانت الخريجات يتم تعيينهن على رتبة ملازم ثان، وينالن أجرًا لا يقل عن 150 قرشًا شهريًا، ناهيك عن الملابس وغيرها، وتم إعطائهن حمارًا كي يتنقلوا به بين أحياء المدينة، وإن تم خصم ثمن الحمار من راتبهم، كذلك كان هناك حرص على تزويجهن من خريجي مدرسة الطب، وكانت وجهة النظر القائمة أن يعمل كل منهما على تطبيق ما تم دراسته، بأن يساهم الحكيم في معالجة الرجال، وتقوم الحكيمة زوجته بمعالجة النساء. وحقيقة الأمر أن ثناء كثير ممن حضروا امتحانات تلك المدرسة لم ينقطع وقد أكدوا على ذلك المستوى العلمي الرائع الذي كانت تمتلكه فتيات يتراوحن سنهن بين 12-20 سنة، فكانت تلك المدرسة بحق نموذج رائع استطاعت به مصر أن تضارع ما كان سائدًا في دولة مثل فرنسا، وتقدمت فيه على كثير من دول أوربا. (ملحوظة يلاحظ أن الأجر كان ضعيف لكنهن كن يحصلن على هدايا كبيرة ومنح فخمة خاصة من الأسر الثرية بعد عمليات الولادة الناجحة).
الدكتور كلوت بك في درس علم تشريح في مدرسة أبو زعبل 1829
وقد استطاعت تلك المدرسة بخريجاتها أن تقوم بجهد كبير وكان تطعيم 600 طفل ضد مرض الجدري شهريًا، واحد من النماذج الدالة على ذلك الجهد، ورغم ما عانته المدرسة من عقبات فإنها ظلت قائمة تؤدي دورها، وكان من المتوقع أن يتم تطوير إمكانيات الحكيمات كهيئة معاونة للأطباء ولكن لم يحدث ذلك، بل إن الدايات غير المتعلمات عادت مرة أخرى للتسيد الموقف، وتدهور دور الحكيمات ناهيك عن النظرة المتدينة من المجتمع نحوهم.
ورغم عدم استمرار التجربة نتيجة لانتهاء مشروع محمد علي في عام 1840 مع معاهدة لندن، فمما لا شك فيه أن عمليات التطعيم هذه والقضاء على كثير من الأوبئة والأمراض التي كانت منتشرة في القرن التاسع عشر  في مصر وعلى رأسها الجدري الذي كان مسئولًا عن وفاة ثلث أطفال مصر قد انعكس على الزيادة السكانية في مصر كما أشار كلوت بك فطبقًا لتقديراته زاد السكان من 2.5 مليون عام 1821 إلى أربعة ونصف مليون عام 1846، وثبت أن استخدام المرأة في مجال الرعاية الصحية كان واحدًا من أكثر الابتكارات المبشرة التي أدخلها بها كلوت بك.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بن خلدون ونظرية النمو السكاني

اللامدرسية "التمدرس المنزلي" De Schooling

حجاج الخضري ... قائد أهالي الرميلة في حرب 1805 "الأهلية"