الحاج منسا موسى "1280-1337" حاكم إمبراطورية مالي
الحاج منسا موسى 1280-1337
حاكم إمبراطورية مالي
الحكم العاشر لإمبراطورية مالي، تلك الإمبراطورية التي قامت في إقليم غربي
أفريقيا وذلك على مدى أربعة قرون فيما بين 1230-1600م. قُدرت مساحة إمبراطورية
مالي بنحو 1.5 مليون كم2، وهي بذلك تقترب من مساحة دول أوربا الغربية المقدرة
بنحو 1.6 مليون كم2، كانت واحد من أكثر الأقاليم سكانًا، حيث كان
يسكنها 45مليون نسمة، وهو حجم سكاني كبير بمقاييس العصور الوسطى والحديثة، خاصة
إذا عرفنا أن حجم سكان العالم في القرن الخامس عشر كان يقدر بحوالي 490 مليون
نسمة، أي أن إمبراطورية مالي كانت تضم قرابة 9.25% من سكان المعمورة المعروفة
وقتذاك، الأمر الذي يشير إلى مدى قوة تلك الدولة، ومدى ثرائها المادي والحضاري.
كانت إمبراطورية مالي نموذجًا للنظام الفيدرالي الحديث الموجود الآن، فقد
كان الملك المالي المعروف باسم "مانسا" ومعناها ملك الملوك يعيش في
العاصمة "نياني" ويحكم بقية الأقاليم من خلال سلطة لا مركزية خولها
لنوابه حكام الأقاليم الخاضعة لسلطة المانسا، ورغم ما يحمله لقب "مانسا"
من سلطة مطلقة إلا أن الحقيقة غير ذلك، فلم يكن الحاكم ينفرد بالسلطة بمفرده بل
كان هناك مجلس يضم نواب عن كل القبائل الموجودة بالإمبراطورية، وكان الغرض منه أن
يُشرف على إدارة المانسا للإمبراطورية، ويمنعه من الانفراد بالسلطة، كما كان
المجلس يُشرف على اختيار نائب المانسا وكان غالبًا ما يصادق على اختيار المانسا
لأحد ابناءه.
بلغت إمبراطورية مالي شأنًا عظيمًا في وقت الملك "منسا موسى"
والذي حصل على لقب حاج وذلك لأنه قام بالحج لبيت الله الحرام وزيارة الأماكن
المقدسة، حكم "منسا موسى" في الفترة ما بين 1312 حتى 1337 وقد قام برحلة
الحج الشهيرة هذه عام 1324، وكان لمنسا موسى دورًا في التحول الديني الذي عايشته
إمبراطورية مالي، ففي عهده تم الاحتفال بنهاية شهر رمضان، واعتبر أيام العيد
احتفالات رسمية، وسعى إلى نشر الإسلام بين طبقات الصفوة بالإمبراطورية، كما كان
يجيد القراءة والكتابة باللغة العربية، كذلك كان له فضل كبير في تأسيس أول جامعة
في غرب أفريقيا، حيث حول مدرسة "سانكوري" إلى جامعة إسلامية وذلك لتمكين
عملية نشر الإسلام بين سكان الإمبراطورية، وتم هذا الأمر بناء على اقتراح أحد
أعضاء المجلس الحاكم والمثير للدهشة أن مقدم الاقتراح سيدة، الأمر الذي يعني أنه
كان هناك دورًا للمرأة في دول وممالك غرب أفريقيا منذ العصور الوسطى سابقة للمرأة
الغربية التي تطالب الآن بحقوق المرأة الإفريقية، فهي عضو في ذلك المجلس الذي يمكن
اعتباره بمثابة مجلس تشريعي، وتقترح ويأخذ الحاكم باقتراحها، كان "منسا
موسى" تقيًا وحريصًا على إظهار هذا الأمر من خلال احتفاله بالشعائر والاحتفالات
الدينية الإسلامية، ولكن هذا لا يعني أن "منسا موسى" أو ل حاكم مسلم
لامبراطورية مالي، فمؤسس الدولة كما تشير كثير من الدراسات مسلم ويدعى "سوندياتا
كيتا" وجميع من سبقه ومن تلاه من الحكام كانوا مسلمون.
![]() |
إمبراطورية مالي في أواخر عهد منسا موسى |
يعد "منسا موسى" أغنى حاكم في وقته وقد تعددت وتنوعت مصادر ثروة
مالي وحاكمها فقد كانت مالي تمتلك أكبر مناجم الذهب في العالم آنذاك، وكانت من غير
الجائز قانونًا أن تتم أية مبادلات تجارية للذهب داخل الإمبراطورية بعيدًا عن
رقابة وسلطة الحكومة، وقد قدر أن نصف الذهب المتداول في العالم في ذلك الوقت كان
مصدره إمبراطورية مالي بما تملكه من أكبر ثلاث مناجم ذهب في العالم، وإلى جانب
الذهب كان هناك الملح الذي لم يكن يقل أهمية عن الذهب وتجارته، بل إن الملح كثيرًا
ما كان يتم شراءه بالذهب، كذلك كان النحاس أحد موارد الإمبراطورية الاقتصادية،
بالإضافة إلى تجارة العبيد الذين كانوا يقومون بدور القافلة لنقل تجارة وموارد
مالي نحو الشمال ثم ينتهي بهم المطاف بالبيع، فهم كانوا وسيلة نقل وحمل وبضاعة
معروضة للبيع في نفس الوقت.
قام "منسا موسى" برحلته للحج التي استغرقت عامين حيث خرج من
"نياني" عاصمة الإمبراطورية عام 1324 وعاد إليها عام 1326، وكانت تلك الحرلة
ضخمة حتى أن حرس الملك الخاص قدر بنحو 500 حارس، وكانت كمية الذهب التي تم توزيعها
أو تم شراؤها في السوق المصري بمدينة القاهرة من ذات حجم كبير لدرجة أن سعر الذهب
قد تراجع في مصر ومنطقة الشرق الأدنى خلال الإثنى عشر سنة التالية لرحلة حج
"منسا موسى" وقد أشار المقريزي إلى ذلك الأمر، وقام "المانسا
موسى" بشراء كم كبير من الجواري التركيات والأثيوبيات والمنسوجات لدرجة أن
قيمة الدينار قد تراجعت بشكل كبير.
وكانت تلك الرحلة ما صاحبها من مظاهر بذخ أن اتجهت الأنظار نحو إمبراطورية
مالي، سواء من قبل العالم الإسلامي أو المسيحي، وجعلت الناس تتحدث عن مدى ثراء تلك
المنطقة، وظهرت مدن مالي على خرائط ذلك العصر مثل تمبكتو، كذلك ظهر حاكم مالي على
خرائط الأسبان وهو يمسك بالذهب في يديه باعتباره أهم سلع الإمبراطورية ومصدر ثراؤه
وثروته. وقد حرص "منسا موسى" على النهوض بدولته وذلك من خلال استقدام
بعض المهندسين والمعماريين لزيارة بلاده والاستفادة من علمهم وفنونهم، ومن هؤلاء
المعماري الأندلسي "الساحيلي" فقد طلب منه أن يعود معه إلى مالي وذلك
لكي يساهم في إعادة بناء وتجديد مدن ومساجد إمبراطورية مالي.
![]() |
منسا موسى يمسك بعملة من الذهب في خرائط الأسبان |
يعد تاريخ وفاة "منسا موسى" من الأمور المختلف عليها بين
المؤرخين المعاصرين والمؤرخين والكتاب العرب، حيث يشير البعض أن "منسا
موسى" كان قد خطط للتنازل عن العرش لابنه ماجان، الذي خلفه في الحكم أثناء
أداءه شعائر الحج، ولكنه مات عام 1325 بعد عودته من مكه، وإن كانت زيارته لمكه
وحجه قد استغرق عامين، وقد قطع بن خلدون هذه الحيرة حيث ذكر أن "منسا
موسى" إمبراطور مالي أرسل تهنئة عام 1337 إلى الأسرة المرينية لفتحها مدينة
تلمسان، الأمر الذي يشير إلى أنه كان لا زال في السلطة حتى ذلك الوقت، وبالتالي
فإن اعتبار عام 1337 هو سنة وفاته يعد الأكثر دقة.
ومن الأمور الجديرة بالذكر والمرتبطة بالحاج "منسا موسى" تلك
القصة التي نقلت عنه، وذكرها بن فضل الله شهاب الدين العمري في كتابه "مسالك
الأبصار في ممالك الأمصار" بخصوص إمبراطور مالي "أبو بكر الثاني"
الذي عُرف باسم "منسا كو"، حكم فيما بين 1310-1312، وكان يعتقد بإمكانية
الوصول إلى أقصى المحيط الذي يطوق الأرض (يعني الأطلنطي) ، وأراد الوصول إلى تلك النهاية
وصمم على تنفيذ ذلك الأمر، فقام بتجهيز مائتي قارب مليئة بالرجال، وقواب أخرى
مملوءة بالذهب والماء بما يكفي لسنوات عديدة. وأمر قائد تلك القوارب بعدم العودة حتى
يصلوا إلى أقصى المحيط، أو إذا استنفدوا المؤن والماء، وقد امتد غيابهم لفترة طويلة،
وفي النهاية عاد قارب واحد فقط وباستجواب القائد ذكر أنه أبحر لفترة طويلة حتى رأو
في وسط المحيط كما لو كان نهر كبير يتدفق بعنف. وكان قاربه في مؤخرة تلك القوارب،
الأمر الذي يسر له الخروج من تلك الدوامة المائية التي ابتلعت باقي القوارب واحدًا
تلو الآخر، لكن السلطان لم يصدقه، وأمر بتجهيز ألفين من القوارب مجهزة له ولرجاله،
وألف أخر مخصصة للمياه والمؤن وغادر مع رجاله في رحلة المحيط، التي لم يرجع منها
أحد.
تلك كانت قصة "الحاج منسا موسى" واحد من كبار حكام ممالك
وإمبراطوريات غربي قارة أفريقيا، حيث الثروة والجاه وحيث الديمقراطية ونظام الحكم
اللامركزي "الفيدرالي" وحيث المجالس التشريعية والاستشارية التي تشارك
الحاكم المسئولية، ودور المرأة في تلك الدولة والتي كان لها فضل كبير في تأسيس
واحد من أقدم جامعات العالم "جامعة سانكوري" لتصبح المرأة الإفريقية
والمسلمة في مقدمة نساء العالم وتؤكد ريادتها وسبقها في إدارة شئون البلاد ووجودها
بجانب الرجال لا تقل شرفًا وقدرًا.
شكرا ع الفائدة
ردحذف