الدكاتره محمد رمزي
الدكاتره محمد رمزي
أحد المبدعين المصريين الذين خلدوا اسمهم بأحرف من الذهب، لم يكمل تعليمه
ورغم ذلك يعد ما كتبه وألفه مصدرًا رئيسًا من مصادر حصول الكثير على العديد من
الدرجات العلمية والترقي الوظيفي العلمي والأدبي، سواء في السلك الجامعي أو غيره
من مناحي الحياة الثقافية والعلمية والصحفية وغيرها، بالتأكيد لم أنصفه بأن أضفت
قبل اسمه لقب دكاتره لأنه هو الذي منحى الألقاب للدكاتره، ولكن لعل وعسى أن يتذكره
أحد الدكاتره في أي جامعة مصرية ويمنحوه لقب دكتوراه فخرية تجعل الناس يتساءلون عن
السبب فيتجهون لمؤلفاته رغبة في البحث والمعرفة والاستزادة.
ولد المرحوم "محمد عثمان رمزي" في مدينة المنصورة يوم 17 أكتوبر
من عام 1871 لأسرة من أصول تركيه فقد كان جده "مصطفى أغا كِسْكه" من
رجال المدفعية الذين اعتمد عليه الكولونيل سيف "سليمان باشا الفرنساوي"
في تعليم المصريين فنون الحرب عندما قرر محمد علي إنشاء الجيش المصري على النظام
الحديث، وكان والده "عثمان بك رمزي" من رجال الخديو إسماعيل الذين
استفادوا من قرار سنة 1867 القاضي بإعطاء الأراضي البور لمن يستصلحها وربط العشور
عليها بعد 15 سنة من تاريخ الإعطاء، وقد حصل على 300 فدان في أرض المقاطعة وكفر
سعد من أعمال مركز السنبلاوين وأنشأ فيهما عزبتين أوقفهما فيما بعد.
بدأ "محمد رمزي" الطفل دراسته في عزبة والده بالمقاطعة وذلك
لمدة ثلاث سنوات حيث أحضر له والده فقيهًا لتعليمه القراءة والكتاب ووهو في عمر
التاسعة ثم ألحقه بمدرسة القبه بضواحي القاهرة ولكن توقفت الدراسة بتلك المدرسة
لأن أكثر آباء تلاميذ تلك المدرسة شاركوا في الثورة العرابية، وقد تم إلغاء
المدرسة تمامًا عام 1882، فعاد للمنصورة ليلتحق بالمدرسة الابتدائية، ثم بالمدرسة
التجهيزية بدرب الجماميز سنة 1886، وهي المدرسة الخديوية الآن، وفي عام 1890 التحق
بمدرسة الحقوق الخديوية، وبعد ذلك بعامين وقع شقاق بينه وبين والده الأمر الذي
جعله ينقطع عن الدراسة ويسكن مع زميله "محمد بك توفيق" يعمل مهندسًا في
مصلحة التليفونات، وبحث محمد رمزي عن عمل فالتحق بوظيفة كتابية بوزارة المالية
براتب أربعة جنيهات، ثم انتقل منها لوظيفة بوزارة الداخلية براتب ستة جنيهات،
ولكنه لم يقض فترة التدريب بشكل جيد فتقرر إعفاءه من وظيفته، ولكن تدخل الشيخ
"محمد عبده" حفظ له وظيفته وإن تم نقله إلى أسوان سنة 1894، وفي 1898 نقل إلى أسيوط ثم ميت غمر عام 1900 ثم منيا
القمح 1902.
كان القدر يحتفظ لمحمد رمزي أمرًا سيجعل منه علمًا من أعلام الفكر والتأليف
في تاريخ مصر الحديث ومن رواد مجال لم يحظ فيه إلا القليل بالنبوغ والتفوق،
والمقصود بهذا الباب من أبواب المعرفة هو التقسيم الإداري والاهتمام بدراسة المحلات
العمرانية سواء كانت قرى أو مدن وما تعرض له بعضها من إندثار وما نشأ منها حديثًا. كانت الحكومة قد قررت
الشروع في ربط الضرائب على الأطيان المبيعة من الحكومة للأهالي فطلبه المستر
"مكلوب" مفتش المالية للقيام بمعاينة الأطيان وتقدير الضرائب عليها
بمركز فاقوس، ومن هنا عاد لوزارة المالية مرة أخرى، وبدأ يتنقل في لجانها المشكلة
لتعديل الضرائب في كثير من مديريات مصر
ومحافظاتها، بل إنها أشرف على توزيع أطيان الدائرة السنية بعد تصفيتها في
ارمنت والمطاعنة (من مراكز محافظة الأقصر الآن )، وظل في وظيفته تلك حتى أحيل
للمعاش عام 1931 ومعاشه 60 جنيهًا.
كان بلوغ "محمد رمزي" سن المعاش بوابة خير ليس له فقط ولكن لجميع
القراء والمهتمين بدراسات مصر التاريخية والجغرافية، فبدأ الرجل بعد أن تخلص من
وظيفته التي كان يسميها "الوظيفة الصامتة" رحلة البحث والدراسة
والاستقصاء أو لنكن منصفين رحلة استكمال لما بدأ من قبل باحثًا دارسًا مستقصيًا مع
ترحاله لجميع مديريات القطر، واضعًا في حقيبته خطط المقريزي وخطط علي باشا مبارك
مسترشدًا بهما للتعرف على قرى وكفور الصعيد ووجه بحري، كما نهل من كتابات اميلينو
وماسبيرو وجوتييه وفييت، حتى أضحى الحجه الكبرى بين الإخصائيين في شأن الجغرافيا الإدارية،
وبدأت ثماره الناضجة في الظهور مع عمله طواعية لمصلحة التنظيم ولجنة تسمية الشوارع
والمجلس الحسبي العالي ولجنة التقسيم الإداري بوزارة الداخلية.
وكان الرجل شعلة من النشاط فما أن أحيل للمعاش حتى قام بنقل كتاب
"تحفة الإرشاد" (مجهول المؤلف) من مكتبة الأزهر بخط يده بعد أن تبين أن
الكتاب يتضمن أسماء الأعمال أي المديريات واسماء البلاد المصرية في كل عمل، وهي
تلك الأسماء التي وردت في الروك الحسامي (نسبة للسلطان حسام الدين لاجين 1296-1298
) الذي عُمل سنة 697هـ 1297، وكان هذا الكتاب يتكون من قسمين قسم يضم النواحي
المتفقة اسماؤها أي المتاشبهة مرتبة على الحروف الهجائية، والثاني يشمل اسماء
النوحي مرتبة على الحروف الهجائية في كل عمل على حدته، ولكنه لم يعثر إلا على
الجزء الثاني. وحسنًا فعل محمد رمزي بأن تراجع عن نشر كتاب التحفة السنية لابن
الجيعان الذي يعود لسنة 883هـ 1477، إذا أن المجهود الذي كان سيبذله فيه كان
سيقتصر على دراسة تلك الفترة بوضعها الإداري ومحلاتها العمرانية وكان سحرمنها من
دراسة تلك الفترة الزمنية التالية التي استكملها في كتابه القاموس الجغرافي حتى
سنة 1945.
وموسوعة "القاموس الجغرافي" الذي يعد واحدًا من أكمل ما كتب عن التقسيم
الإدراي لمصر منذ التحفة السنية لابن الجيعان، يتكون من قسمين القسم الأول ويضم
البلاد التي اندرست ولم يعد لها وجود الآن إلا أن يبقى اسمها علمًا على حوض زراعي،
واسباب اندراس القرى عديدة منها؛ انقطاع مياه الري
عن الوصول للأراضي أو مياه الشرب عن الوصول لمساكنها، غرق مساكن القرية من قطع
جسور النيل، أكل النهر لأطيان القرية، وجود مساكن القرية في منخفض وتسلط مياه
النشع عليها، وكذلك تسلط الرمال على القرية حتى تختفي، ارتفاع القرية فوق التلال
فترتفع عن مستوى الأرض المنزرعة فيجد الفلاحون صعوبة في النزول والصعود فيغادروها،
الحريق، الأوبئة التي تفتك بسكان القرية، المنازعات بين سكان القرية الواحدة وما
يترتب عليها من ثأر وارتحال عنها، ظلم المقطعين والملتزمين وجورهم على محاصيل
القرية، وإثقال سكان القرية بالضرائب، تكليف سكانها بأعمال السخرة فيهجرون القرية
ويتركونها خراباً، هدم الحكومة لمساكن القرية لتظاهر سكانها بالعصيان، اختلاط
مساكن قرية بأخرى، هدم المدن أو القرى لدوافع حربية، وقد بلغ عدد البلاد المندرسة
في هذا القسم من الكتاب 2075 قرية، وهو عدد كبير يقترب من نصف القرى المصرية في
عام 1945 قديمها وحديثها.
أما القسم الثاني فقد تناول فيه العلامة البلاد الحالية وقد تم إخراج هذا
القسم في أربعة أجزاء تناول الجزء الأول مديريات (كما كان المسمى قبل تعميم
استخدام اسم محافظة) القليوبية والشرقية والدقهلية، وفي الجزء الثاني مديريات
الغربية والمنوفية والبحيرة، وفي الجزء الثالث مديريات الجيزة وبني سويف والفيوم
والمنيا، وفي الجزء الرابع مديريات أسيوط وجرجا وقنا وأسوان ومصلحة الحدود. وللدلالة
على أن هذا العمل من الضخامة الأمر الذي لا يقدر عليه إلا المؤسسات ناهيك عن رجل
بمفرده، بهمة قبيلة، أن الهيئة العامة للكتاب استغرق منها الأمر لكي ينشر هذا
العمل الموسوعي قرابة 10 سنوات، فقد صدر القسم الأول الخاص بالبلاد المندرسة عام
1954، وبدأت باقي الأجزاء الخاصة بالقسم الثاني في الصدور تباعًا، فصدر الجزء
الأول من القسم الثاني عام 1955، تبعه الجزء الثاني عام 1958، والجزء الثالث عام
1960، والجزء الرابع والأخير عام 1963.
ولما كان المرحوم "محمد رمزي" رجل يحب العلم والمعرفة فإنه وإن
وافته المنية قبل أن يظهر هذا الكتاب للنور فإن صهره المهندس "حسن فؤاد"
قد قام بجمع هذا العمل الذي تركه المؤلف في هيئة جزازات بلغ عددها 10 آلاف جزازة
وقدمها لدار الكتاب لتقوم بإخراجه، ولا زال للمؤلف أبحاث قيمة لم تنشر منها
"تاريخ التقسيم الإداري من عهد الفراعنة إلى اليوم" وتاريخ مساجد
القاهرة، وشرح كتاب الخطط المقريزية والتعليق على ما ورد به من الأماكن والمساجد
والمدارس وغيرها من الآثار القائمة والمندرسة، وتاريخ الترع والخلجان بالقاهرة،
وأبواب القاهرة، وتاريخ الوزارة المصرية، وتاريخ المساحة المصرية، والتعليق على
كتاب جغرفية وأطلس مصر للأمير عمر طوسون.
رحم الله العلامة "محمد رمزي" وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدم في
ميزان حسناته.
تعليقات
إرسال تعليق