اللامدرسية "التمدرس المنزلي" De Schooling
اللامدرسية "التمدرس المنزلي"
المفهوم والنشأة:
تعد حركة التمدرس المنزلي أو اللاتمدرس من أكثر حركات التعليم البديل
نمواً، والتمدرس المنزلي هو عملية تعليم الأطفال في سن الدراسة في المنزل وليس في المدرسة.
وهي واحدة من أسرع الاتجاهات التعليمية نمواً في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتم
ممارستها بشكل قانوني في جميع الولايات الخمسين.
![]() |
التعليم المنزلي |
وقد تطور عدد الملتحقين بالتمدرس المنزلي كثيراً في الولايات المتحدة
الأمريكية وحدها زاد عدد الدارسين من المنزل من 95 ألف طالب عام 1984 إلى 350 ألف
طالب عام 1994 ثم قفز هذا الرقم إلى 630 ألف طالب في عام 1996، وقد بلغ تقدير من
يتلقوا دراستهم في المنزل في ربيع عام 2003 بنحو 1.1 مليون طالب وطالبة، كما
ارتفعت نسبة من يحصلون على دراستهم في المنزل من 1.7% ممن هم في سن الدراسة عام
1999 إلى 2.2% في عام 2003.
والأسباب متنوعة وراء هذه القفزات المتتالية، فهناك من يعتقد أن تربية
الأولاد هي مسئولية أولياء الأمور وليس الحكومة، ورغبة في رعاية الصغار والإشراف
المباشر على تربيتهم وحمايتهم مما يمكن أن يتعرضوا له من أذى جسدي أو نفسي أو عقلي
في المدارس التقليدية، كما أن هناك رغبة من أولياء الأمور في تلقي أبنائهم تعليم
خاص يرتبط بجوانب أخلاقية ودينية في إطار بيئة جيدة يوفرها المنزل بشكل ملائم.
بالإضافة إلى ما سبق فإن هناك أفكار فلسفية ساهمت في دفع التمدرس المنزلي
بقوة للأمام، وكان أشهر من روج لها "إيفان إليتش Ivan Illich في كتابه "مجتمع بلا مدارس" و جون هولت John Holt الذي دعا إلى مجتمع لا مدرسي التعليم، بالإضافة إلى
"أيفرت ديمر" و "باولوفريري".
![]() |
إيفان إيليتش |
كذلك يمكن القول بأن عصر المعرفة والمعلوماتية كان له تداعيات كبيرة تمثلت
في أن التعليم يجب أن يتم في أي مكان وفي كل مكان، ويجب أن يتمكن الصغار من الوصول
إلى من يوجههم لتعلم ما يودون تعلمه بأسلوبهم الخاص في أي وقت وأي مكان، فالمدارس
التقليدية وإن كانت جيدة لا تستطيع تلبية حاجات جميع الطلاب، ولا بد من تعليم بديل
يخدم الذين لا يستطيعون التأقلم مع أنظمة التعليم التقليدية.
وهذا المجتمع اللامدرسي De
Schooling Society مجتمع "لا يجبر أحداً على الذهاب إلى
المدرسة، لا بالقانون، ولا بطريق التهديد بعدم التوظيف أو الفقر أو التمييز أو
الإبعاد من المجتمع، ولا يضار أحد فيه أو تنقص مزاياه لأنه لا يحب المدارس، أو
لأنه لا يجدها أماكن جيدة للتعليم".
![]() |
جون هولت |
وفي الوقت الذي يوصى به هذا النوع من التمدرس Schooling للأطفال الذين يعيشون توتراً ومعاناة من بيروقراطية
المدرسة، أو يشعرون بالملل من إجبارهم على تعلم ما لا يحبون، وإجبارهم على السكوت
وعمل ما هو مطلوب منهم، لا ينصح به للأطفال الذين يثير وجودهم في المنزل مشاكل،
وهناك دعوى للأطفال الموهوبين "لعدم التمدرس De Schooling" فهذا التمدرس يفيد الأذكياء والمستقلين من
الأطفال الذين يتعملون بأنفسهم بشكل طبيعي ولا خوف عليهم من افتقاء الأجواء
الاجتماعية الموجودة في المدارس التقليدية، حيث تتاح لهم فرص أخرى للتفاعل
الاجتماعي في النادي أو في المجتمع المحلي.
وهكذا يكون التمدرس المنزلي أو اللاتمدرس أسلوب حياة مبني على الحرية
والمرونة، ويسمح بتنمية المواهب الطبيعية، ويمنح فرصاً لتجارب أخرى لا تتاح لطالب
المدرسة التقليدية مثل السفر والتنقل طوال العام الدراسي، أي وسيلة تحمل قوة كامنة
على تغيير الحياة ليس بالنسبة للأطفال فقط، بل أولياء الأمور أيضاً، حيث يقبلون من
جديد على التعليم مع أولادهم.
وقد توسع أمر التعليم اللامدرسي وظهرت كثير من منظمات التعليم البديل التي
تسانده بقوة من خلال شبكات معلوماتية مجانية أو بمبالغ رمزية، وتبذل مجهوداً في
إعداد مواد للتعلم المنزلي، وتقدم استشارات ومعلومات حول قوانين التمدرس المنزلي،
ونصائح للكبار من المشرفين على طلاب يتعلمون في بيوتهم، كما تنشر مقالات متخصصة،
وتمسح آراء حول القضايا ذات العلاقة.
اللامدرسية والتعليم البديل:
تنتمي اللامدرسية De
Schooling إلى أحد أنماط التعليم الغير تقليدي وهو المعروف
بالتعليم البديل، وهذا النمط من التعليم ليس حديثاً ولكنه كعادة أي منهج أو مدخل
كان موجوداً ولكن على نطاق محدود في فترات زمنية قديمة.
حيث يمكن القول أنه إذا كان المقصود بالتعليم البديل هو ذلك الذي يشير إلى
"الأساليب والأنشطة التعليمية التي تقع خارج نطاق نظام المدرسة التقليدية،
وتقوم على تلبية حاجات المتعلم الفرد" فإن هذا النمط من التعليم كان موجوداً
في قصور وبلاط الحكام قديماً، حيث كان تربية أبناء الملوك في قصورهم، وكذلك أبناء
عِلية القوم تتم كذلك في بيوت آبائهم.
ولم ينقطع الأمر على مدى التاريخ، ولكن المختلف هو أن العصر الحديث حمل
موجة كبيرة من موجات التعليم البديل، وأصبحت فلسفة ووجهة نظر يدعو إليها الكثير من
المفكرين والفلاسفة، ووضع لها أطر نظرية تدعوى إليه وتبرره.
فمن الأمور التي يلاحظ عليها خلاف في عهد الدولة الإسلامية هو الحديث عن
"منع المرأة من التعليم" ولكن الحقيقة هو أن المسلمين ناهيك عن الإسلام
لم يمنعوا المرأة من حصولها على التعلم، وكل ما كان هناك هو خلاف حول
"التمدرس" و "التعلم". فالتعلم كان موجود ومتاح سواء في منازل
الأثرياء أو الكتاتيب حيث الفقراء، في حين أن بناء وإنشاء المدارس الخاصة للفتيات
كانت هي التي حولها خلاف. الأمر الذي يعني أن فكرة التمدرس كانت هي موضع الخلافات
لكن التعليم كان موجوداً ومتوفراً للفتيات والمرأة مثله مثل توفره للأولاد
والرجال، ولكن كانت مدارس الفتيات هي المحدودة بل غير موجودة.
وقد صاحب التعليم البديل والدعوة إليه هجوم شرساً على التعليم التقليدي
القائم في المدرسة، وهجوماً موازياً على الدولة (السلطة) وأفكارها التي تسعى إلى
تكريسها من خلال المؤسسات التي تسيطر عليها من خلال التحكم في الدعم المالي
والمناهج التي تضعها فتسيطر من خلالها على عقول وأفكار المنتسبين للمدارس بل وتصيغ
مستقبلهم من خلال التحكم في فكرة التوظيف وفرص العمل المتمركز على التعلم في مدارس
الدولة.
بدأت تلك الهجمة مع القرن التاسع عشر، حيث واجه التعليم التقليدي المعاصر
في العالم ـ الذي وجد في الأساس لتقديم خبرة علمية عامة وموحدة ثقافياً لجميع
التلاميذ للحصول على مواطنين يصبحون في وقت لاحق جنوداً مخلصين للوطن، أو عمالاً
يشتغلون في المصانع لصالح التنمية الاقتصادية ــ مقاومة من بعض المجموعات التي
رفضت الانصياع إلى أجندة التعليم التقليدي "الأفضل والأوحد" الذي يتخطي
التنوع الثقافي، ويتجاهل الاختيار الشخصي، والارتفاع الشخصي والتفرد الشخصي،
والنمو الروحي، والعيش في مجتمع ديمقراطي.
وقد نظر هؤلاء المعارضين إلى التعليم على أساس كونه مطلباً فردياً، وأسرياً
ومجمعياً، لا ينبغي أن يندرج تحت البرامج السياسية للحكومية، وهكذا تعالت الدعوات
إلى توفير تعليم بديل تختلف أجندته عن أجندة التعليم التقليدي، يحقق أهداف التعليم
الخاصة بكل فئة من فئات المجتمع.
المفكرين الداعين لهذا النوع من التعليم:
ظهر العديد من المفكرين الداعين إلى هذا النوع من التعليم البديل غير
التقليدي ومن أبرزهم
"ألكوت 1799-1888" المعلم والمفكر والمصلح الاجتماعي الأمريكي،
الذي رفض فكرة التدريس التي ترتكز على الحفظ والتذكر، وشجع بدلا من ذلك الحوار
السقراطي، واسس مدرسته في الثلاثنيات من القرن التاسع عشر.
"ايمرسون 1803-1882" الكاتب الأمريكي، والفيلسوف والشاعر الذي
كان له دور في ظهور حركة "فكرة جديدة" وهو يعد بطل الفردية.
"ثورو 1817-1862" المؤلف والشاعر الأمريكي الذي عرف بكتابته عن
العصيان المدني وأثرت أفكاره فيما بعد على رموز مثل "تولستوي" و
"غاندي" و "مارتن لوثر كينج".
وقد امتد أثر هؤلاء وغيرهم من التقدميين لسنوات تالية، حيث برزت في
الستينيات من القرن العشرين أسماء لامعة مثل "ألكساند نايل" و "جون
هولت" و "بول غودمان" و "إيفان إليتش" و "باولو
فريري" وغيرهم من المعارضين والناقدين لجمود التعليم التقليدي، وألهمت كتابات
هؤلاء آلاف الآباء والمعلمين الصغار ممن هجروا نظام المدرسة التقليدي وأسسوا
"مدارس حرة" وعندما واجهت هذه الحركة مشكلات وضغوطاً من جانب التيار
المحافظ في السبعينيات تحولوا إلى المطالبة بوجود بدائل تعليمية حكومية في سياق
الإصلاح وليس المعارضة، كما دعا آخرون إلى التمدرس المنزلي أو اللاتمدرس كمخرج
للأزمة.
المذاهب الفلسفية والاجتماعية التي وراء التعليم اللامدرسي:
يمكن رد فكرة التعليم اللامدرسي (التمدرس المنزلي) وغيرها من أنماط التعليم
البديل إلى ثلاثية من المذاهب الفلسفية والاجتماعية تتمثل في الآتي:
1- الحركة الطبيعية ورائدها جان جاك روسو:
الذي رفض أن يكبح جماح الطفل، وفضل ترك الطفل على طبيعته يتعلم من واقع
الخبرات التي يتعرض لها، لا أن يتعلم من كتب وإرشادات بل من الأمثلة والعلاقات
التي يقيمها الطفل في بيئته.
2- النزعة النفسية ورائدها يوهان
هنري بيستالوزي:
دعا إلى إصلاح التعليم على أساس سيكولوجي، وأن تربية وتعليم الطفل تتضمن
جوانب كثيرة منها النفسي والحركي والجسمي والفكري والأخلاقي، وأن يتعلم الطفل من
خلال الأنشطة.
3- حركة رياض الأطفال ورائدها فريدريك فرويل:
اهتم باللعب الإنشائي كأساس نفسي تربوي لتعليم الأطفال، وصمم ألعاب لتعليم
الأطفال أسماها "هدايا فرويل" تضمنت أشكالاً هندسية لتعليم الأطفال فن
البناء وأدوات تعلم الأطفال وتؤكد مفهوم "العمل الحر"، الذي يقوم من
خلاله الطفل بتوجيه نشاطه.
وقد انعكست هذه النظريات والتوجهات الفلسفية والاجتماعية إلى واقع ملموس، من
خلال المطالبة بتعليم بديل، ولم يكن الأمر مجرد دعوة ولكنه أصبح حركة اجتماعية
واسعة الانتشار، صاحبت حركات الانقلاب على ما كان سائداً، وانتشرت الأفكار
المعارضة التي كانت مهمشة، أو غير مرئية، وانطلقت المطبوعات والطرق البديلة،
ومتعرض المجتمع ومؤسساته إلى نقد شديد، وشن
المعلمون والكتاب هجوماً غاضباً على نظام التعليم التقليدي، وأجندته القديمة في
تحقيق الكفاية الاجتماعية.
وقد انعكست تلك الأوضاع على ظهور العديد من المدارس الخاصة التي قامت على
ثقافة الفصول المفتوحة، والمدارس الجاذبة Magnet حتى باتت روح كل من "روسو" و
"بيستالوزي" و فرويل" تسري في أنحاء الحياة الأكاديمية والمهنية.
![]() |
الأسباب التي تدفع العائلات لاختيار اللامدرسية |
أسباب ظهور التمدرس المنزلي:
هناك العديد من النظريات التي تقف بقوة وراء ظهور "التمدرس
المنزلي" وغيره من أنواع التمدرس البديل ومن أهم تلك النظريات ثلاث نظريات.
1- نظرية الاقتصاد السياسي:
التي ترى أن المدرسة تعيد إنتاج النظام الطبقي الموجود في المجتمع
الرأسمالي الذي تملك فيه فئة قليلة الكثير، ولا تمتلك الأغلبية إلا اليسير، وذلك
لأن أطفال الطبقة العليا هي التي تستفيد من المدرسة بشكل أكبر، كما ترى أن نظام
المدرسة الذي يعكس الوضع الاجتماعي السائد، لا يفعل سوى الحفاظ على الطبقية، ولا
تضيف شيئا سوى التأكيد على عدم المساواة والكبت المتأصل في النظام الاقتصادي، وتحد
من النمو الشخصي وتكريس أشكال الخضوع للسلطة المستبدة التي تساعد على الاستسلام
للواقع.
2- نظرية رأس المال الثقافي:
ترى أن أهمية المدرسة تكمن في وظيفتها كأداة للمحافظة على التركيبة الطبقية
في المجتمعات الرأسمالية، والإبقاء عليها، فالمدرسة مؤسسة اجتماعية تسيطر علىها ثقافة
الصفوة في المجتمع، وتتجسد هذه الثقافة في العمليات المدرسة التي يتم من خلالها
توزيع المعرفة ونقلها، ومكافأة أصحاب الثقافة المشابهة لثقافة المدرسة، من أولاد
الصفوة، ومعاقبة أبناء الطبقات الدنيا. وهكذا يؤدي امتلاك الثقافة إلى مزيد من
الثقافة التي يحتفي بها ملاكها، وينجح أبناء الصفوة في امتلاك المزيد من الثقافة
المدرسية، ويفشل أبناء العمال والطبقات الدنيا في امتلاك الثقافة، فالمدرسة تكون
بمثابة عامل طرد، وبعد ذلك يطلب المجمتع أن يتدرج الناس وفقاً لما يمتلكونه من رأس
مال ثقافي.
3- نظرية باولو فريري تربية المقهورين:
ترفض تلك النظرية التعليم بطريقة "الإيداع البنكي" للمعرفة، التي
تقتضي يد عليا تعطي، ويد سفلى تأخذ، أي طرف قوي يمتلك المعرفة والمقدرة على
التفكير، وطرف ضعيف ينقصه المعرفة، ويعجز عن التفكير، وركز على التعليم الحواري
الذي فضله كوسيلة للتعليم بدلا من المنهج، لأن الحوار بين المعلم والمتعلم الذي
يكتنفه الاحترام والحب، ولا يتضمن تسلط المعلم على التلميذ، بل يتطلب الحب والعمل
معاً، كما اهتم بالتعلم من التجربة ومن خلال المشاركة، وركز على من لا صوت لهم وهم
المقهورين وناضل من أجل تحرير الإنسان، ورفض التعليم الاستغلالي الذي يستهدف تطويع
الطلاب لكي يتعايشوا مع عالم القهر، وكان يرى أن تنمية الوعي قوة مؤثرة نحو تغيير
الواقع، وأن قيمة الفرد تكمن في قدرته على تغيير العالم.
التمدرس المنزلي بين الماضي والحاضر:
مارست كثير من المجتمعات التمدرس المنزلي في العصر الحديث، ولعل دول أمريكا
الشمالية كانت من أكثر تلك الدولة ممارسة لهذا النوع من التعليم، حيث انتشر على
نطاق واسع منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، حيث بدأ الاهتمام بالقوانين التعليمية
والمهنية الخاصة بالمعلمين، بل إن كثير من الشخصيات الشهيرة الأمريكية التي نالت
تعليمها في المنزل جعلت من التمدرس
المنزلي ذو قيمة يسعى لها الكثير من الآباء.
فشخصيات مثل "جورج واشنطن، جون كوينسي آدامز، ابراهام لينكولن،
فرانكلين روزفلت" وجميعهم روؤساء سابقون للولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة
إلى كثير من الشخصيات البارزة في التاريخ الأمريكي مثل مارك توين، توماس إيدسون.
وإن كان مدى التمدرس المنزلي محدوداً في سبعينيات القرن التاسع عشر فإنه مع
ستينيات القرن العشرين انطلق التمدرس المنزلي بقوة، جاذباً الكثير من اهتمام
الآباء والمعلمين، وكانت لكتابات أحد المسئولين في وزارة التعليم الأمريكية
"ريموند مور Raymond
Moore ، وكذلك
"جون هولت"، أن أعطيا دفعة قوية للتمدرس المنزلي، وقد أكد "هولت"
على ضرورة اللامركزية المدرسية، وأهمية إعطاء دوراً أكبر للوالدين في تعليم
أبنائهم، وآمن بأن الطريقة الأسلم في تعليم الأطفال هي من خلال "التمدرس
المنزلي".
نقد التمدرس المنزلي:
يمكن القول أن التمدرس المنزلي كان له الكثير من الأنصار والمحبذين في
مقابل الكثير كذلك من الآخذين عليه مواقف سلبية وغير إيجابية. فالتعليم اللامدرسي
شأنه شأن غيره من التعليم البديل لم يوضح لجميع الطلاب، حيث يفضل الكثير من الطلاب
التعليم التقليدي.
وعليه فإن "جيري مينتز" مدير منظمة مصدر معلومات التعليم البديل،
قد حدد ملامح الطالب المرشح للتمدرس المنزلي (التعليم البديل) على اعتبار أنه:
1- يكره المدرسة، وهذا دليل على وجود خطأ ما في نظام المدرسة، لأن الطفل
بطبيعته يحب التعلم.
2- يجد صعوبة في التعامل مع الكبار، ويقتصر تعامله مع مجموعة صغيرة من
أقرانه.
3- يهتم بالماديات في محاولة لتعويض شعور بالنقص الأمر الذي يعكس سطحية
نظام التعليم الذي يترى فيه.
4- يعود من المدرسة مجهداً لأن خبراته التعليمية لا تمنحه طاقة.
5- يشتكي من صراعات ومن أوضاع ظالمة، مما يعني عدم ملاءمة عمليات حل الصراع
والتواصل في المدرسة.
6- يفقد اهتمامه في التعليم المبدع من خلال الفن والموسيقى والاشكال الفنية
الأخرى، مما يعني قصور التشجيع لهذه النواحي، واعتبارها ثانوية مقارنة بالتعليم
الأكاديمي.
7- يتوقف عن القراءة والكتابة، من أجل المتعة، ويقوم بالحد الأدنى من
الواجبات ثم ينصرف إلى أنشطة أخرى هروباً، وهذا يعني أن النشاط الذي ينصرف إليه
ليس مقدراً في المدرسة.
8- يسوف في أداء الواجبات حتى اللحظة الأخيرة، لأن الواجب ممل ولا يثير
فضوله.
9- لا يحكي عن أحداث يومه، لأن شيئاً مثيراً لم يحدث.
وتعد إيجابيات التمدرس المنزلي "اللامدرسية" من وجهة نظر الداعين
وأنصار هذا النمط من التعلم في شيوع اتجاهات الثقافة الغالبة على المدرسة والمناخ
السائد فيها المتعلق بيهيكل التعليم اللامدرسي، والمناهج وطرق التدريس، والتدريب
المهني.
ومن أهم إيجابيات التمدرس المنزلي "اللامدرسية" أنه يهدف إلى
تحسين جوانب عديدة مثل الأداء الأكاديمي والشعور بتقدير الذات، والسلوك وتغييره،
وتحسين المهارات الاجتماعية، وتنمية مهارات القيادة، والاهتمامات خارج المدرسة،
وتنمية مهارات اختيار المهنة وخلق اتجاه ايجابي في الحياة وتحسين نسبة الحضرو.
ويعد مناخ التمدرس المنزلي من أهم جوانبه الإيجابية حيث يكون التركيز على
الطالب ككل من خلال الاهتمام بنموه الأكاديمي والانفعالي الاجتماعي والسلوكي، إلى
جانب علاقات دافئة وإيجابية بين أعضاء مجتمع المدرسة، والمدرسون في التعليم
المدرسي ليسوا مدرسين فقط، ولكنهم مستشارون وموجهون ومرشدون أيضاً.
كما أن الاهتمام بالبرامج الإرشادية من الجوانب الإيجابية في التمدرس
المنزلي، ويتضمن التعليم المنزلي بيئة آمنة، حيث توقعات السلوك الواضحة، وتهذيب
يتم بعدل وثبات.
والمنهج في التمدرس المنزلي يتم بصورة متكاملة وليست منفصلة، وتوجد مود
دراسية واضحة مثل التعليم البيئي، والتعليم الروحي، ومواد أخرى تنبع من اهتمامات
الطلاب والمدرسين، كما تهتم المناهج بالمهارات الاجتماعية والتحصيل الأكاديمي على
حد سواء، بالإضافة إلى المرونة العالية بالنسبة للمدرسين في تصميم الاسترايتيجات والطرق
التي يستخدمونها في العمل مع طلابهم، مثل التعليم الفردي، والتعليم التعاوني،
والتعليم القائم على القدرات، وتدريس الفريق، وتدريس الأنداد، والتدريس المتعدد
الذكاء، في مناهج تتراوح ما بين التركيز على المهارات الأساسية، والمهارات التي
تنمي الشخصية وتعدل السلوك، كالمهارات الاجتماعية، ومهارات حل الصراع.
أما السلبيات والانتقادات التي تؤخذ على التمدرس المنزلي فتتمثل في أن
دواعي السلامة والأمن واقتصاديات التمدرس المنزلي يعاني من مشاكل واضحة، وكان هناك
في الولايات المتحدة الأمريكية عدة حوادث حظيت بتغطيات إعلامية من سوء المعاملة
وحالة الخوف.
بالإضافة إلى أنه في الدول التي لا توجد فيها مسائلة قانونية للآباء فإن
الأطفال يكونون أكثر عرضة لسوء المعاملة والإهمال، وغيرها من المشاكل، وكانت
المنظمة الوطنية للتربية في الولايات المتحدة الأمريكية هي أكثر المنتقدين للتمدرس
المنزلي.
كما أن البعض يشير إلى نقص الحياة الاجتماعية لدى طلاب التمدرس المنزلي
"اللامدرسي" حيث تكون حياتهم مقتصرة على أعداد بسيطة فقط من الطلاب،
ورغم محاولات الدمج الاجتماعي من خلال الأنشطة الاجتماعية المتعددة إلا أن هذا
النقص ملحوظ.
كذلك يشير البعض إلى العوز الاقتصادي الذي تعاني منه الأسر التي تميل إلى
تمدرس أبنائهم في المنزل، حيث ينحصر دخلهم على مصدر واحد فقط، إذا ما قام أحد
الوالدين بترك العمل والتفرغ لتعليم الأبناء في المدرسة المنزلية.
ولكن على الرغم من تلك الانتقادات فإن أداء طلاب التمدرس المنزلي أثبتوا
كفاءة وجدارة دراسية أهلتهم لأن يجتازوا كثير من الامتحانات وحصلوا على مستويات
متقدمة، وكثير منهم التحق بكليات القمة في الولايات المتحدة الأمريكية مثل
هارفارد، ييل، ستانفور، بل إنه في عام 2000 تم إنشاء جامعة خاصة في الولايات
المتحدة الأمريكية للطلاب المتمدرسون منزلياً.
رواد التمدرس المنزلي:
استمد التمدرس المنزلي مكانته واستطاع أن يقاوم التعليم التقليدي من خلال
رواد عظام استطاعوا أن يقاموا تلك الهجمة الشديدة التي تعرض لها التمدرس المنزلي
وغيره من أنماط التعليم البديل، خاصة من قبل المحافظين الذين تشددوا في الحفاظ على
النظم القائمة ومواجهة كل ما هو جديد على اعتبار أنه ضد أفكار الدولة والحياة
النمطية ومؤسسات الدولة، وأن تلك الدعوات هادمة للدولة وبنائها التقليدي.
ويأتي في مقدمة رواد التمدرس المنزلي " إيفان إليتش Ivan Illich" و "جون هولت John Holt" وكذلك "باولو فريري"
1- إيفان إليتش:
فيلسوف نمساوي، وناقد لكثير من مظاهر الحضارة الغربية، تنوعت مجالات
اهتمامة بين الطب والهندسة والتعليم، واستخدام الطاقة والتكنولوجيا. استطاع أن
يحتل مكانة عالمية من خلال انتقاده لنظام التعليم التقليدي من خلال كتابه Deschooling، يعد أبرز ما جاء في كتابه هذا الذي نشره عام 1971
ما يلي:
"فكرة التعليم للجميع من خلال التعليم غير ممكن عمليا. ولن يكون ذو
جدوى لو تمت تلك المحاولة من قبل المؤسسات المبنية على نمط المدارس الحالية. لا مواقف
جديدة من المعلمين نحو تلاميذهم ولا انتشار الأجهزة التعليمية. يجب أن يكون عكس البحث
الحالي لمداخل تعليمية جديدة في البحث عن معكوس المؤسسية: الشبكات التعليمية التي تزيد
من فرصة لكل واحد لتحويل كل لحظة في حياته لأن يحصل على التعلم.
كانت هناك محاولة من قبل "إيفان ايليتش" لمجابهة سطوة طبقة
الصفوة على كل شيء في المجتمع، مثل مجال التجارة، الصناعة، التعليم، الصحة،
الاقتصاد، وقد دعى ايليتش إلى توفير الأدوات التي تمكن باقي أفراد المجتمع من
التمتع كصفوته في التعامل مع مجالات الحياة تلك.
بحث "ايفان ايليتش" عن إعادة ميلاد الإنسان المفكر، القادر على
مواجهة الآلات والتصدي لها من خلال أفكاره، بعد أن أصبح الإنسان في خدمة الآلة.
وكان البعد عن المؤسسة التعليمية النمطية التقليدية هي طريق ميلاد ذلك الإنسان
الجديد.
2- جون هولت John Holt
مؤلف ومربي أمريكي من رواد التمدرس المنزلي، وقف بشدة ضد المؤسسات
التقليدية التعليمية ناقداً لها على اعتبار أنها
تؤكد على فكرة الطبقية والحفاظ على الوضع الذي تريده طبقة الصفوة في
المجتمعات من خلال سيطرتها على التعليم الذي يمكن لها من السيطرة على باقي أبعاد
ومكونات المجتمع.
بدأ جون هولت حياته كمعلم ومربي وتوصل بعد فترة قضاها في حقل التربية
والتعليم أن المدرسة أصبحت غير قابلة للإصلاح، وبدأ ينادي بفكرة التمدرس المنزلي،
مؤكداً على أن الطالب يمكن له أن يتعلم بحرية ما يريد أن يتعلم في الوقت الذي يريد
أن يتعلم فيه، وليس من خلال الضغط والممارسة العنيفة التي تمارس من خلال المدارس،
معتقداً أن المدرسة هي المكان الذي يتعلم فيه الطلاب كيف يكونوا أغبياء.
في عام 1977 أصدر "جون هولت" مجلة "النمو بدون مدرسة"
وكانت أول مجلة وطنية أمريكية تصدر عن أخبار التعليم، كما أنشأ مكتبة، جعل من
خلالها الكتب متاحة عبر البريد، وقد مكنت تلك المكتبة استمرار المجلة في إصدارها.
في عام 1981 اصدر كتابه عن "تعلم بنفسك" والذي أصبح بمثابة
الكتاب المقدس للحركات والمؤسسات الداعية إلى التعليم اللامدرسي، ورغم وفاته عام
1985 إلا أن الكتاب أعيد إصداره مرة أخرى عام 2003 بمساعدة أحد أصدقائه.
أصدر جون هولت أكثر من كتاب دعى فيه إلى ضرورة أن تكون الفصول الدراسية
أكثر راحة للطلاب وأن يشعر الطالب بالثقة فيها، وكان تركيز هولت على أن يكتسب
الطلاب المفاهيم ويتعرفونها أكثر من أن يجتازوا الامتحانات، وقد حوصرت أفكاره بشدة
ولكن رغم ذلك نجح في نشر أفكاره، التي جعلته واحداً من رواد التمدرس المنزلي، بل
وصل به الأمر إلى أن دعى إلى اللامدرسية كأحد أنماط التعلم الناجحة.
3- باولو فريري Paulo Freire
أكاديمي ومربي برازيلي وقف بقوة وساند حق الفقراء في الحصول على التعليم،
على اعتبار أن التعليم هو الحرية، ورغم ما تعرض له من مضايقات ومطاردات على يد
النظم العسكرية في بلده البرازيل إلا أنه أصر على حق المقهورين في الحصول على
التعليم.
وقد كانت تجاربه رائدة في تعليم الكثير من الفلاحين في مزارع القصب
بالبرازيل، الأمر الذي جعل الكثير من المؤسسات الدولية تسانده، بل تعرض عليه أكبر
جامعات العالم الالتحاق بها كأستاذ زائر.
وقد فضل باولو فريري نمط التعليم القائم على الحوار السقراطي بين المعلم
والمتعلم، هذا الحوار الذي يغرس الحب في نفس المتعلم تجاه معلمه وليس كما هو سائد
في النظام التقليدي التي أسماها "فريري" الإيداع البنكي" التي تضمن
كذلك التسلط من جانب المعلم على التليمذ.
مستقبل التمدرس المنزلي Deschooling
هؤلاء وغيرهم مثل نايل Neil وغودمان Goodman كان لهم دوراً كبيراً في استمرارية وفعالية التعليم
اللامدرسي رغم ما تعرض له هذا الاتجاه من محاولات لطمسه على يد المحافظين، ولكن ظهور
جيل الرواد هذا الذي ربي أجيال على الحرية والديمقراطية وعلى الأفكار التي تحترم
آراء ورغبات الأطفال أن مكن للتمدرس المنزلي من أن يظل حياً وبقوة.
الأمر الذي جعل كثير من دول العالم تتجه إلى هذا التمدرس خاصة وأن نسبة
كبيرة من الطلاب في سن المدرسة خاصة في الدول المتقدمة يلتحقون بهذا النمط من
التمدرس وتصل النسبة إلى نحو 2.2% من مجموع طلاب الولايات المتحدة الأمريكية ممن
هم في سن الالتحاق بالمدرسة.
يعتقد البعض أن التعليم المنزلي
ربما يقلل فرص الأطفال في الالتحاق بالجامعة ، لكن هذا ليس صحيحاً فعلى الرغم من
عدم رغبة الكثير من المتعلمين منزلياً في الالتحاق بالجامعة ، إلا أن قطاعاً
كبيراً منهم يهتم بذلك ويسعى للالتحاق بجامعة.
وتبحث الكليات والجامعات الشهيرة
مثل هارفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ويوك ويبل وستانفورد عن طلاب خاضوا تجربة
التعليم البديل؛ حيث يحقق هؤلاء الطلاب معدلات أعلى من أقرانهم من الطلاب
العاديين، وذلك لأنهم قد تلقوْا تعليماً يوجهونه بأنفسهم.
وقد عدّلت الكثير من الجامعات شروط
وسياسات القبول فيها بما يسهّل التحاق هؤلاء الطلاب بها . إذا كنتَ طالباً متعلماً
منزلياً ، وترغب في الالتحاق بجامعة ما ، فكل ما عليك هو الاحتفاظ بسجلات تقدمك
التعليمي ، والتأكد من إنهاء كل الاختبارات المطلوبة مثل اختبار الكفاءة الدراسية SAT ، ومن ثمّ يمكنك تقديم طلب
الالتحاق ، مع ضرورة التركيز على خطاب التقدّم للجامعة .
وعلى الرغم من النجاحات التي حققها
نمط التمدرس المنزلي فلا زال في عالمنا هناك حكومات متحضرة تمنع هذا النوع من
التعليم مثل الصين وهولندا وألمانيا حيث تغرم من لا يدخل أبناءه المدرسة مبالغ تصل
إلى 5000 يورو وسجن وقد تصل إلى سحب الأبناء من أهاليهم. وأما فرنسا فمسموح به ولكن بشرط زيارة تقييمية
مرتين في السنة من قبل موجهين من وزارة التعليم. كما سمحت به ايرلندا وأسبانيا
مؤخراً.
وفي دراسة قامت بها وزارة التعليم
الأمريكية عام 2007م وجدت أن نتائج اختبارات الطلاب المنزليين تفوق الطلاب
النظاميين بنسبة 37%، وقامت وزارة التعليم الأمريكية بعمل مقارنة بين المتخرجين من
الدراسة النظامية والمنزلية فوجدت أن 71% من المتخرجين من الدراسة المنزلية نشطين
في مجتمعهم بالأعمال الخيرية واكثر تداخل مع جيرانهم في مقابل 37% من المتخرجين من
الدراسة النظامية! ووجدوا أن 58.6% من متخرجي المنازل ذكروا أنهم سعيدون جدا في
حياتهم في مقابل 27.6% من متخرجي الدراسة النظامية.
هل تناسب
اللامدرسية عالمنا العربي؟
هناك دعوة لضرورة التنبه عند دراسة
مثل هذه الاتجاهات إلى المسرح الاجتماعي الذي ظهرت عليه، فقد ظهرت في "المجتمع
المتعلم المعلم"، أي المجتمع الذي تشبع بالتعليم وبتعدد وسائل ووسائط
التثقيف ومرونة الاجراءات وغيرها . أما عالمنا العربي فمن الصعب الغاء فكرة
المدرسة، وإنما بدلاً من ذلك التوجه للتعليم المدمج الخليط الذي يجمع بين التعلم
المباشر بالمدرسة واللامباشر خارجها وهو ما أنادي به دائماً في التعليم بصفة عامة
والتعليم الجامعي بشكل خاص.
تجارب ونماذج من أنمط التعلم البديل
حققت نجاحاً في كثير من دول العالم خاصة العالم الغربي، وربما تجد الفرصة في
أوطاننا معوضة ما يفقده التعليم التقليدي، ومعوضة الطلاب عما يفقدونه في فصول
الدراسة التقليدية داخل أسوار المدرسة.
ربما نشهد دعوة لهذا النمط من التعلم
غير التقليدي في وطننا خاصة وأن Unschooling تتلائم وطبيعة العالم المتجه نحو
الانفتاح والحرية وهو ما يظهر بقوة في التمدرس اللامدرسي، كما أنه يصحح من جوانب
النقص في العملية التعليمية في أوطاننا.
المصادر: أمينة
التيتون. (2011). المدرسة الديمقراطية ثورة على التعليم التقليدي. دار
الفكر العربي. مصر.
أتمنى التواصل معكم
ردحذفاشكرك ع هذا البحث والمفيد جدا لهذا الموضوع
ردحذف