زومبي .... أبطال الإسلام في البرازيل


زومبي .... أبطال الإسلام في البرازيل
انتشرت كلمة زومبي فيما بيينا منذ فترة نتيجة لتلك الأفلام الهوليودية الأمريكية التي تظهر هؤلاء الأشخاص الموتى الذين يتحركون، وكان أول فيلم ظهرت فيه هذه الشخصية هو الفيلم الأمريكي ليلة الموتى الأحياء عام 1968، وبدأت الكلمة تنتشر لتطلق على الأفراد فاقدي الوعي نتيجة لعدد من الأدوية والمخدرات التي يتناولونها.
لكن هل لكلمة زومبي أصل وحقيقة؟
نعم كلمة زومبي كانت تطلق على عدد من الأفارقة الذين عاشوا في البرازيل التي كانت مستعمرة برتغالية في الفترة الأولى من عمليات التوسع الإمبريالي الأوربي في العالم الجديد، ونقلهم قسرًا للملايين من الأفارقة للعمل في مزارع التبغ وقصب السكر ومناجم الذهب في الأمريكتين، تشير الأرقام إلى أن هناك قرابة 50 مليون أفريقي تم نقلهم من أفريقيا للأمريكتين وذلك على مدى ثلاثة قرون الـ 17، 18، 19ويتعلل المؤرخون الغربيون بأنه ليس هناك دليل على صحة هذا الرقم الأمر الذي يجعلهم يجعلون الرقم يدور حول 12-20 مليون أفريقي، مثلت دول وممالك غرب أفريقيا مصدرًا لأكثر من نصف هذا العدد، ولما كان معظم سكان غرب أفريقيا يدينون بالإسلام فإن نسبة كبيرة من هؤلاء المهجّرين بشكل قسري كانوا مسلمون.
كان جانجا زومبي أحد هؤلاء المسلمون الأفارقة الذين ولدوا في العبودية بمنطقة بورتو كالفو على الساحل الشمالي من الأغواس، في تلك المنطقة التي كانت تعد أحد مراكز المسلمين الأفارقة في البرازيل نشأت حركة قوية تسعى للإستقلال والخلاص من ظلم العبودية، وكان التجمع الإثني للعديد من القبائل الإفريقية المتفقة في الدين واللغة أحد العوامل الذي مكن من نجاح تلك الحركة التحررية حيث تم تشكيل بعض الممالك أو جمهوريات الغابات في أعماق الغابات الساحلية البرازيلية، وكانت ملحمة بالميراس أشهر الحركات التحررية التي تأسست في بالميراس والتي امتدت لنحو نصف قرن فيما بين عامي 1630-1697.
اشتهرت تلك التجمعات المتحررة بالتنظيم الاجتماعي وقد بلغ سكانها نحو 30000 نسمة، يعيشون في مدن محصنة تمتاز بنظام سياسي يشبه الممالك النائية في أفريقيا، وتم تقسيم الأراضي فيما بين سكانها وفقًا للنموذج المعتمد في ممالك غرب أفريقيا، وأقامت نظامًا تجاريًا مع المستوطنات المجاورة قائم على المقايضة حيث يحصلون على السلع المصنعة من الخارج مقابل سلعهم ومنتجاتهم الزراعية، وفرضت الضرائب من أجل الخدمة العامة، وعقوبة الإعدام على السرقة والزنا والهروب من الخدمة، وأقيمت الأبراج العالية من أجل حماية مستوطناتهم.
جانجا زومبي
كان جانجا زومبي واحدًا من أشهر ملوك تلك التجمعات الأفريقية ولد عام 1635 وكان اسمه في العبودية "فرانسيسكو" سكن في قصر عُرف باسم "جانجا سونغو" وكانت عاصمته تحمل اسم "مكاكوس" وتعني القرود، استطاع تحصين مدينته كالحال في مدن غرب أفريقية حيث سياج قوي جعلها كالقلعة وبيوت بنيت من الطين الأحمر، وكانت المدينة تقع في داخل غابات الجبال على بعد 350كم من ساحل المحيط الأطلنطي، استطاع أن يوفر لسكان مدينته احتياجاتهم الغذائية من خلال الحقول التي كانت تحيط بها.
كانت تلك المدينة وغيرها من المستوطنات الإفريقية خروجًا عن السلطة البرتغالية الساعية للسيطرة على مستعمرتها الغنية، وكان تشكيل هؤلاء الأفارقة لمثل تلك السلطات المحلية إهدارًا لجهود البرتغال في استغلال ثروات البرازيل وإعطاء نموذج لغيرهم من التجمعات البشرية الإفريقية قابل للتحقيق، والأخطر من ذلك أن تلك التجمعات البشرية مارست معتقداتها الدينية خاصة الإسلام بحرية تامة وهو أمر ما كانت ترضى به السلطات الكاثوليكية البرتغالية، الأمر الذي استلزم القضاء على تلك المحاولات التحررية.
يذكر البرتغاليون اسماء العديدمن القادة الذين تم إرسالهم للقضاء على مملكة "جانجا زومبي" والقضاء على عاصمته واحتلالها، ولكن كان الفشل رفيق هؤلاء القادة الأمر الذي اقتضى مدخلًا آخر وهو عقد معاهدة سلام بين البرتغاليين وجانجا زومبي وذلك عام 1678، ولكن يبدو أن هذه المحاولات كانت الغرض منها كسب الوقت وكان الإصرار على القضاء على زومبي هو الهدف النهائي، وبالفعل استطاع البرتغاليون القضاء على جانجا زومبي في نفس عام عقد المعاهدة،
خلف جانجا زومبي ابن أخته المعروف أيضًا باسم زومبي وقد تولى الأمر في تلك الملكة عام 1680وفي الوقت الذي أحرز زومبي استقلالًا تامًا عن البرتغاليين عام 1694 فإن محاولات الخلاص منه ومن مملكته التي استمرت قرابة العقدين من الزمن كانت هدف لا يحيد عنه المستعمر البرتغالي وبالفعل بدأت القوات البرتغالية في الاستعداد لشن هجومها الشامل على عاصمة زومبي مكاكوس، ويذكر أن مدينة مكاكوس كان يحيطها خندق حيث تمثل قائدها وسكانها في ذلك بخندق المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
زومبي دوس بالميراس
استمرت الحملة العسكرية البرتغالية ضد مكاكوس ومملكة زومبي قرابة ثلاثة سنوات ابتداء من عام 1694 حتى عام 1697 انتهت بهزيمة البالماراسيين الأفارقة وقتل الملك زومبي والتمثيل بجثمانه فقاموا بقطع رأسه وأعضائه التناسلية وشوهوا جثته قبل عرضها على الجمهور في ريسيفي، وتم بيع أسرى مكاكوس بعيدًا عن أماكنهم الأصلية وذلك كي لا يعودوا للثورة مرة أخرى أو يتمكنوا من العودة لأماكنهم القديمة ولرفقاء نضالهم وحريتهم. وقد اعتبر زومبي الثاني بمثابة أيقونة الأفارقة المطالبين بالحرية وفي 20 نوفمبر من كل عام يم الاحتفال بيوم الوعي الأفريقي البرازيلي متخذين من زومبي دوس بالميراس رمزًا للحرية ويعتبر الآن أحد أبطال البرازيل، كما تم إطلاق اسمه على مطار مدينة ماسيو عاصمة ولاية آلاجواس الساحلية.
رحم الله "زومبي" ورفاقه الذين آثروا الشهادة والنضال من أجل حرياتهم ودينهم مؤسسين وطنهم على مبادئ العدل والحرية متخذين من تراثهم وميراثهم الأفريقي مشعلًا يضيء لهم ظلمات أسرهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بن خلدون ونظرية النمو السكاني

اللامدرسية "التمدرس المنزلي" De Schooling

حجاج الخضري ... قائد أهالي الرميلة في حرب 1805 "الأهلية"