2مليار 176 مليون 349 ألف بارة صادرات المنسوجات المصرية
2مليار 176مليون و349 ألف بارة
صادرات المنسوجات المصرية
احتلت الصناعات الحرفية في مصر مكانة كبيرة وأهمية أكبر من حيث دورها في
الأنشطة الاقتصادية وحركة التجارة بالبلاد وعلاقاتها بما يحيط بها من دول، وعلى
الرغم من أن الصناعات الحرفية هذه قد تعرضت لتراجع في مستواها وتقنياتها نظرًا
لاعتمادها على المتوراث جيل بعد جيل دون النظر إلى ما حققته بعض الدول من تقدم فني
في إنتاج بعض الآلات والأدوات أو فنيات الصناعة نفسها، فإنه لا يمكن إنكار أن
تراجع الأدوات قد عوضه الحرفي المصري بمهارته وقدرته على تعويض ذلك النقص المادي
بقدرات بشرية فذة. ورغم ذلك فإن الرحالة الغربيين لم يوصموا تلك الصناعة إلا
بالتدهور والمثالب، فها هو جيب وباون يقولا "إذا ما قارنا المنتجات الصناعية
في مصر وفي آسيا الغربية في نهاية القرن الثامن عشر بمتجات أجداهم في العصور
الوسطى لوجدنها بدائية ورديئة، وكان الطلب قليلًا على المنقولات الفاخرة أو
المصنوعات ببراعة فنية، وكانت هذه الصناعات متدهورة في كل مكان".
![]() |
نولون يدوي |
وها هو فولني عام 1783 يقول "لا تزال الحرف اليدوية الأكثر سهولة
نوعًا من الحرف البدائية، أعمال النجارة، والحدادة، وصناعة الأسلحة رديئة، جميع
الخردوات والأدوات المعدنية والبنادق والمسدسات تجئ من الخارج، وبالكاد نجد في
القاهرة ساعاتي واحد وهو أيضًا أوربي، إنه يصنعون البارود في مصر ولكن بطريقة
بدائية أولية، توجد مصانع لتكرير السكر لكنه مملوء بثفل القصب، أما السكر الأبيض
فأسعاره مرتفعة للغاية".
حقيقة لا يمكن إنكارها ورغم أن القاهرة كان بها كما ذكر الفرنسيون في وصف
مصر 104 طائفة حرفية، فإن الصناعات الحرفية قد عانت من تراجع ورغم عملية تقسيم
المشاهدة في الأنشطة الحرفية فإن هذا التقسيم الذي كان الغرض منه التخصص من أجل
التقدم والرقي لم يؤد إلى ذلك بل عانت معه الحرف والمهن، فيلاحظ أن طائفة البُلغجيون
(صانعو الأحذية) تقوم بإسناد بعض المهام إلى حرفيين متخصصين حيث يقوم
"البَشمّري" بخياطة ضفيرة من الحرير حول الحافة الخارجية للبوابيج
البسكرية، كما يقول "القَدمْجي" بتركيب كعوب الأحذية، كذلك فإن حرفة
الخراطين انقسمت إلى أربع طوائف؛ خراطو الخشب، وصانعو الخشب الرقيق المستخدم في
صنع الصناديق، وصناع المقاعد بلا مسند، وصناع المشربيات، وكانت توج ست طوائف
لصناعة الحديد "الحدادون"؛ صناع الحديد، وصناع المسامير، وصناع الإبر،
وصناع الشكائم، والبياطرة وصناع السكاكين.
![]() |
صناعة المنسوجات اليدوية |
صاحب هذا التردي المهني والحرفي تغير وبتدل في الأذواق لدى الطبقات العليا
والحاكمة الأمر الذي جعلهم يميلون إلى المنتجات المستوردة من الخارج، فقد أجرى
إسماعيل بك عام 1789 اتصالًا مع قنصل فرنسا بمصر وطلب منه أن يرسل في طلب كبير
مهندسين ومشرفًا على صهر المعادن مع عدد من العمال يمكنهم من صنع مدافع ومواسير
بنادق، وكذلك بنائين لتشييد مبان على النيل، ومن الواضح أن هذا الاعتماد من جانب
السلطة الحاكمة في القاهرة قد سبقه شيوع استخدام الطبقات الراقية لكثير من
المنتجات الأوربية المستوردة على الرغم من غلو أثمانها، ويظهر ذلك فيما كتب القنصل
الفرنسي عام 1748 "إن الإقبال على شراء الملابس المستوردة الذي كان منذ عشرين
عامًا مقتصرًا على علية القوم في البلاد بدأ منذ أمد قليل يتزايد بين جميع الأشخاص
الميسورين"، وقد حقق استيراد المصنوعات الزجاجية من البندقية تقدمًاسريعًا
خلال السنوات الأخيرة من القرن الثامنعشر لدرجة أنها بلغت وفقًا لتقديرات جيرار في
"وصف مصر" 14% من واردات مصر من أوربا.
ورغم هذه التقارير والأرقام الصادمة فإنه من الطبيعي أن يكون هناك نشاط
تجاري وحلقة من الصادرات والواردات واختلاف في الأذواق والميول، ويؤكد ذلك أن حركة
النشاط التجاري المصري من الإنتاج الحرفي الذي يماثل في وقتنا الحالي
"الصناعات الصغيرة والمتوسطة" كبيرة للغاية ونشيطة لدرجة كبيرة، واحتلت
صناعة تكرير السكر في مصر مكانة كبيرة حتى أن تركة السُكَّري كان متوسط قيمتها 147
ألف بارة، وظل السكر المصري له مكانته حتى بدأ إنتاج مرسيليا الفرنسية وفيوم الكرواتية
ينافسان المنتج المصري، وكذلك صناعة النسيج المصرية التي كانت عالية الجودة، وبلغ
ما تصدره مصر من منسوجات لدول شمال أفريقيا 125مليون بارة. (ملحوظة: القرش يعادل أربعين بارة)
![]() |
سوق بشارغ الغوري 1875 |
وللوقوف على أهمية الصناعات والإنتاج الحرفي ودوره في تمتين روابط العلاقات
التجارية والاقتصادية بين مصر والدول العربية المحيط بها بل وصولًا إلى الدول
الأوربية نشير إلى أرقام جيرار في كتاب "وصف مصر" فيذكر أن مصر باعت
لسوريا ما قيمته 131 مليون 349 ألف بارة (ما يعادل 32837 جنيه)، يمثل نصفها تقريبًا
أي 56 مليون 250 ألف بارة (14062جنيه) قيمة ألفين لثلاثة آلاف بالة من المنسوات
الكتانية المصنوعة في مصر، في حين أن مصر اشترت ما يعادل 43 مليون و 60 ألف بارة (10765جنيه)
منها 21مليون و 543 ألف بارة (5385 جنيه) منسوجات قطنية فلسطينية وأقمشة حريرية
وقطنية من دمشق وحلب، و 13 مليون و 200 ألف بارة (3300 جنيه) قيمة صابون من سوريا
وفلسطين، ومن الملاحظ أن الميزان التجاري كان لصالح مصر بفائض يبلغ 88 مليون و 289
الف بارة (22072 جنيه).
![]() |
البارة عملة عثمانية |
![]() |
مركز القاهرة التجاري بين القصرين |
هذا ولم يقتصر صادرات مصر من المنسوجات على تلك الدول بل يذكر جيرار كذلك
أن صادرات مصر لمرسيليا من المنسوجات بلغ مليار و920مليون بارة أي ما يعادل 480 ألف جنيه، وذلك خلال الفترة ما
بين عامي 1785-1789 أي بمتوسط 384 مليون بارة أي ما يعادل 96ألف جنيه سنويًا.
وبالتالي فإن إجمالي صادرات مصر من المنسوجات طبقًا لهذه الأرقام لكل من بلاد
الشام وبلاد المغرب العربي ومرسيليا تعادل 544078 جنيه.
هذه الأرقام خاصة فقط بصناعة حرفية واحدة وهي صناعة المنسوجات بأنواعها
المختلفة، ولكن يلاحظ أنها كانت صناعة قوية وصادراتها كذلك جيدة محققة ميزان تجاري
قوي لصالح الدولة، ولصالح طوائف حرفية كانت حياتها قائمة على تلك المهنة، صناعات حرفية
بسيطة لكن دورها الاقتصادي كبير، الأمر الذي يعني أنه من الممكن تكرار الماضي من
خلال التركيز على تلك الصناعات الصغيرة والمتوسطة ودعمها ماديًا ومعنويًا.
تعليقات
إرسال تعليق