موحا .... أبطال المغرب ضد المستعمر


موحا .... أبطال المغرب
على الرغم من أن موحا أوسعيد و موحا الزياني من أبطال المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي في المغرب إلا أن محمد عبد الكريم الخطابي هو الذي احتل مكان الصدارة في مشهد المقاومة، قد يكون هناك عدة أسباب لذلك منها؛
عبد الكريم الخطابي
أن عائلة الخطابي في المغرب عائلة لها وزنها على المستوى العلمي والسياسي حيث شغل كثير من رجالها العديد من المناصب العلمية والسياسية في منطقة الريف الأوسط والغربي، وكان والده عبد الكريم الخطابي قاضي قبيلة بني ورياغل التي تنتسب إليها عائلته، ووقد يكون لإعلانه قيام جمهورية الريف تحت اسم "الجمهورية الاتحادية لقبائل الريف" أثناء صراعه ضد الاحتلال الأسباني وذلك فيما بين عامي 1921- 1926 وكانت جمهورية دستورية برلمانية تولى فيها رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء حتى عام 1923 ليخلفه الحاج الحاتمي رئيسًا للوزراء، أن أعطته زخمًا ومكانة ليست فقط إقليمية بل دولية استطاع من خلالها تحقيق العديد من الانتصارات على الجيش الأسباني وأشهرها معركة أنوال.
أضف لذلك أنه رغم القضاء على تلك لجمهورية باتحاد الجيشين الأسباني والفرنسي وإلقاء القبض على محمد عبد الكريم الخطابي ونفيه إلى جزيرة لارينيون بالقرب من مدغشقر بالمحيط الهندي لمدة 20 عام، عاد مرة أخرى للجهاد وذلك حينما قررت فرنسا إعادته ليعيش منفيًا في فرنسا فإنه طلب اللجوء السياسي بمصر من الملك فاروق أثناء مروره بقناة السويس وقد وافق الملك فاروق على ذلك، وعاش في مصر  مستكملًا طريق الجهاد بتأسيسه لجنة تحرير المغرب العربي التي كانت تهدف إلى جمع شمل جميع القوى والأحزاب الوطنية في تونس والجزائر والمغرب رافضة للاستسلام ومؤكدة على الاستقلال التام حتى نالت بالفعل استقلالها، وظل في مصر حتى وفاته عام 1963.
فارس مغربي
قد يكون ما سقته أعلى سببًا في أن كل من موحا الزياني وأوسعيد لم يصلا لمستوى شهرة ومكانة محمد عبد الكريم الخطابي، فهما ليسا من عائلة علماء أو ساسة، ولم يعلنا قيام جمهورية ولم يتوليا أعمال المقاومة المغربية في القاهرة، ولكن هذا لا يمنع من إعطاءهما مكانتهما وحقهما في أن يظهر اسمها وجهودهما ونضالهما في سبيل تحرير وطنهما، بل يكفي أنهما لم يعملا في بداية أمرهما مع الاحتلال الفرنسي مثلما فعل محمد عبد الكريم الخطابي وأبيه مع الاحتلال الأسباني الذي ترقى في سلك القضاء برضاء أسباني وكان يؤمن بالتعايش السلمي مع المستعمر، وعليه فمن حقهما أن يفخرا عليه في هذا الجانب، كذلك فإن كل من موحا لهما سبق المقاومة ضد الاحتلال والمستعمر، فما أن علم موحا الزياني باستيلاء فرنسا على الدار البيضاء عام 1907، حتى قاد رجال قبيلته للوقوف إلى جانب قبائل الشاوية والدفاع عن مدينة الدار البيضاء فوجد هناك من سبقه وهو موحا أوسعيد.
ولد محمد بن حمو بن عقي بن أحمد المعروف باسم أمحزنن بن موسى وسط عائلة أمحزون الأمازيغية التي تنتمي لقبيلة آيت حركات، ارتقى موحا في سلم السلطة المغربية بتعيينه من قبل السلطان مولاي الحسن عام 1886 قائدًا على قبيلة زيان، وتزويده بفرقة من الجيش المغربي لإخضاع القبائل الأمازيغية لسلطة السلطان المغربي وجباية الضرائب باسمه منهم لصالح الدولة المغربية، أما محمد "موحا" أوسعيد أو عسو الويراوي فهو من قبائل آيت ويرة الأمازيغية وتستوطن بلاد تادلا في جبال الأطلس المتوسط بالمغرب الأقصى، ويعد بامتياز بطل المقاومة الأمازيغية مع بداية الاحتلال الفرنسي للمغرب في إطار معاهدة الحماية التي وقعها السلطان عبد الحفيظ سنة 1912 وعرفت لدى الفرنسيين بسياسة "تهدئة المغرب".
فقدت المغرب جزءًا كبيرًا من مكانته الدولية منذ هزيمة إسلي أمام فرنسا عام 1844، وهزيمة تطوان عام 1860 أمام إسبانيا، وبتولي السلطة السلطان عبد العزيز بن الحسن صغير السن  (14عام) الذي في عهده بدأت الدول الأوربية وفي مقدمتها أسبانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا السعي لتقسيم المغرب، الامر الذي انتهى باجتياح مراكش عام 1907 وعزل السلطان عبد العزيز وتولية السلطان عبد الحفيظ عام 1908، ثم إعلان الحماية الفرنسية على المغرب، أدرك كلًا من "موحا" أن العمل الجماعي هو الأفضل في تلك الحالة في ظل صراعهم من جيوش أكثر قوة من حيث المعدات، لذا تم تشكيل تحالفًا للمقاومة ضم موحا أوسعيد زعيم كونفيدرالية قبائل آيت سري وعلي أمهاوش زعيم الزاوية الدرقاوية موحا أومحو زعيم كونفيدرالية قبائل زيان، وقد عرف هذا التحالف لدى الفرنسيين باسم "الثالوث البربري"، ويعد الانتصار الذي حققه موحا أوحمو الزياني على الجيش الفرنسي في معركة لهري عام1914 أكبر انصاراته حيث تمكن من تحطيم جيش الكولونيل لوفيردير تحطيمًا كاملًا، وقال الجنرال كيوم أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في حملة إخضاع قبائل الأطلس المتوسط "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة"، كما وصف الجنرال كيوم أيضًا موحا أوسعيد بأنه "أحسن محارب في شمال أفريقيا، بطبعه شديد الكراهية للأجنبي شجاع إلى حد المجازفة، يضحي بكل ما يملك، بعائلته وأيضًا وبكل سهولة بحياته في سبيل الدفاع عن حريته، وكان لهذه المعارك وغيرها أثرًا كبيرًا في عدم تمكن فرنسا من إخضاع جبال الأطلس المتوسط إلا عام 1934.
السلطان عبد الحفيظ في مرسيليا
كان عام 1907 هو بداية المقاومة لكل من محو ضد المستعمر، وقد خاضا العديد من المعارك الطاحنة مثل معركة تافودايت، والزحيلكة وإيفران عام 1912، ومعركة وارغوس 1913، وكان لمعركة الهري أثرًا كبيرًا ليس على المستوى الوطني المغربي لكن على المستوى الدولي فقد أرسل إليه السلطان العثماني والإمبراطور الألماني رسلًا في زي تجار يعرضون على "موحا أومحو" المساعدة العسكرية والمالية الأمر الذي أكده أومحو الزياني في خطاب "إننا لا نرضخ لعدو ديننا وعدو نبينا، ولا تتراءى معه أعيننا، فليطمئن خليفة المسلمين وقائد الألمان"، وقد سعت فرنسا إلى كسب أومحو إلى صفها عن طريق أسلوب الترغيب فأرسلت له العديد من الوفود المحملة بالهدايا النفيسة، كما سعى الجنرال ليوتي إلى استمالته من خلال شخصيات مرموقة في الجهاز الحكومي "المخزن" المغربي مثل الوزير "إدريس البوكيلي" لكن كان جواب أوحمو دائمًا هو "لن أرى مسيحيًا إلا من خلال فوهة بندقيتي وأصبعي على زناد الرمي".
مدفع من غنائم معركة الهري
توفى موحا الزياني في معركة "أزلاك نتزمورت" بجبل تاوجكالت عام 1921 ومن أسف أنه لم يمت برصاص الفرنسيين بل مات برصاص أحد أبنائه وذلك لأنه وهو شيخ كبير رفض أن يجلس في خيمته بل استقر على أحد الربوات ليتابع معركة قبيلته بقيادة أبناءه ضد الجنرال الفرنسي بوميرو وما أن أخذ مكانه حتى أتته رصاصه في رقبته فخر صريعًا ليدفن في تاملاكت قرب تاوجكالت، أما موحا أوسعيد فقد توفى عام 1924 زاهدًا منعزلًا في أعالي الأطلسي بعد محاصرته بالقصيبة والقضاء على حركته.
فرسان صبايحية مغاربة في الجيش الفرنسي
رحم الله المناضلين في سبيل وطنهما وكل من ناضل في سبيل وطنه، فكانا بمثابة الشعلة التي أضاءت طريق رفاقهما ومن جاء بعدهما، فقد ابتدأا سويًا ووصلا ختام حياتهما متقاربين بعد أن رفضا رغد الحياة الهانئة في ظل الاحتلال الفرنسي.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بن خلدون ونظرية النمو السكاني

اللامدرسية "التمدرس المنزلي" De Schooling

حجاج الخضري ... قائد أهالي الرميلة في حرب 1805 "الأهلية"