الإسلام والمسلمون في الهند
الإسلام والمسلمون في الهند
يعتبر الإسلام أول وأكبر ديانة سماوية يعتنقها سكان
الهند، وثاني الديانات إذا تم اعتبار الهندوسية ديانة، وعليه فإن المسلمين يحتلون
المركز الثاني من حيث عددهم إلى إجمالي عدد سكان الهند البالغ 1.3 مليار نسمة
بنسبة 14.2% أي حوالي 184 مليون نسمة، وتصل بعددهم بعض الدراسات إلى نحو 190 مليون
نسمة لتحتل بهم المركز الثالث عالميًا من حيث أكبر دول العالم من حيث عدد المسلمين
بعد كل من دولتي أندونيسيا (225 مليون) و باكستان (205 مليون)، وبذلك فإن الهند
تضم أكبر أقلية دينية في العالم بهذا الحجم الذي يقترب من المائتي مليون.
![]() |
فتوحات محمد بن قاسم في بلاد السند |
سبق وجود العرب في الهند الإسلام حيث اعتاد التجار
العرب زيارة ساحل كونكان غوجارات ومنطقة مالابار للتجارة، ولقدم هذه العلاقات
انطلق الإسلام بسهول ويسر في أرجاء شبه القار الهندية، ويعتقد أن أول مسجد أقيم
بالهند هو مسجد تشيرامان جمعة، وتم بناؤه عام 629م من قبل مالك بن دينار، وذهب
البعض لوجود مسجد أقدم منه يعود بناءه فيما بين عامي 610 و 623 في مالابار، وبعد
دورة الفتح السلمي هذه من خلال التجار، كان دور الفتح العسكري بقيادة القائد محمد
بن قاسم صاحب السبعة عشر عامًا وذلك عام 672م ليفتح السند، وتتوالى الدول والممالك
الإسلامية على الهند ومن أشهرها الدولة الغزنوية (961 -1187 )، والغوريون (1150-
1206م)، و"سلطنة دلهي" التي حكمت أجزاء كبيرة من الهند فيما بين (1206 –
1526م)، وإمبراطورية مغول الهند التي ظلت قائمة في الهند فيما بين (1526- 1857م)
وأشهر حكامها جلال الدين أكبر ورمزه الأثري الخالد تاج محل.
![]() |
امبراطورية المغول في الهند 1526-1857م |
كان لوقوع الهند ضمن مستعمرات التاج البريطاني، وتأسيس ما عُرف
باسم الراج البريطاني أو الحكم البريطاني منذ عام 1857 وذلك على حساب إمبراطورية
المغول الهندية، أن بدأ المسلمون يتولون أمر المقاومة ضد محاولات استعمار بريطانيا
للهند، وكان قائد تلك الثورات "السيد مير نصار تيتمور" الذي توفي متأثرًا
بجراحه عام 1831م، وهناك الكثير من المسلمين الذين تولوا قيادة المقاومة وذلك حتى
الحرب العالمية الأولى وعلى رأسهم أبو الكلام آزاد، حكيم أجمال خان، رافي أحمد
قيداوي، والأمر لم يقتصر على مقاومة الاحتلال البريطاني في شبه القارة الهندية بل
تعداه إلى مقاومته في دولة بورما والملايو وذلك بقيادة علي أحمد صديق، ومع ظهور المهاتما
غاندي كان أبو الكلام آزاد من القيادات الإسلامية البارزة والداعية للتعاون
الإسلامي الهندوسي ضد الاحتلال البريطاني وكذلك خان عبد الغفار خان أحد قيادات
المقاومة السلمية ضد الوجود البريطاني في شبه القارة الهندية ومحمد علي جناح ، لكن
بريطانيا كعادة المحتلين آثرت أن تلعب بقانون التفتيت وإخراج المسلمين والإسلام من
تلك المعادلة، فكان قرار الخروج من شبه القارة الهندية بعد أن قسمتها لدولتين على
أساس ديني؛ الهند الهندوسية، وباكستان المسلمة، المنقسمة لقسمين باكستان الشرقية
وباكستان الغربية، ثم كان الدور على الهند بأن تفصل باكستان الشرقية تحت اسم بنجلاديش،
كي تتخلص من هذا الحصار المفروض عليها من قبل الباكستان بمسلميها في الشرق والغرب.
![]() |
محمد علي جناح مع المهاتما غاندي |
![]() |
خان عبد الغفار خان مع غاندي |
وعلى الرغم من سيطرة الهند على ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية
المسلمة، ولم تعطها الحق في تقرير مصيرها، وما يعانيها سكانها من صعوبات وسياسة
إحلال السكان الهندوس محل السكان المسلمين، فإن معاناة المسلمين لم تتوقف عند هذا
الحد بل بدأت تزداد مع ظهور حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي الحاكم منذ سنة 1996م، والذي
بدأ في اتباع سياسات متعصبة ضد المسلمين حتى أن سانجيتا فارشني، زعيمة الجناح
النسائي في الحزب، قامت بصفع امرأة هندوسية احتست الشاي مع شاب مسلم، وزادت حدة
الصراع مع تبني الحزب لمشروع قانون يسمح بإعطاء الجنسية الهندية للأقليات غير
المسلمة في الهند، مع استثناء هذا القانون للمسلمين الأمر الذي شعر معه المسلمين
بأنه يزيد من تهميشهم.
وينص القانون على منح ست أقليات غير مسلمة هي الهندوسية والسيخية
والبوذية والجينية والزرادشتية فضلا عن المسيحية إذا تمكن أتباع تلك الديانات من
إثبات أنهم من باكستان أو أفغانستان أو بنجلاديش، وقد ترتب على هذا القانون خروج
المظاهرات الأمر الذي اعتبرته السلطات الحاكمة مبررا للعنف ضدها، واندلع العنف ضد
المسلمين في العاصمة دلهي دون مواجهة فعالة من الشرطة، وقد مات على إثر هجمات
العنف هذه أكثر من ثلاثين مسلمًا وتم تدمير بعض المساجد وإحراق الكثير من بيوت
المسلمين، حتى أن تلك الهجمات وأعمال العنف غطت على زيارة ترامب الأولى للهند، ومن
المفارقات أن نسبة المسلمين في ولاية دهلي أو دلهي تقترب من نسبة المسلمين العامة
في الهند بأكملها حيث يمثل المسلمون في الولاية نحو 13% من إجمالي عدد سكانها
البالغ 16.7 مليون نسمة أي أكثر من مليوني
مسلم بقليل.
![]() |
العنف ضد المسلمين طال العديد من المساجد والمنازل |
لا يمكن فصل هذا العنف المتصاعد ضد المسلمين ومحاولات منع بعض
الأقليات من المسلمين الفارين بدينهم من دولهم مثل أقلية الروهينجا التي تعاني
معاناة شديدة في دولة ميانمار، من الحصول على الجنسية، في سياق حرص الحزب الحاكم
الهندوسي على محاصرة نسبة وأعداد المسلمين في الداخل الهندي خاصة وأن نسبة
المسلمين قد تزايدت من أقل من 10% في عام 1951 في منتصف القرن الماضي لتصل إلى
14.2% في عام 2011، وهذه النسبة في تزايد خاصة وأن المسلمين في الهند يمتازون
بمعدلات عالية من الخصوبة بمقارنة بباقي طوائف الديانات الأخرى، خاصة الطائفة
الهندوسية، فمتوسط عدد الأطفال لدى المرأة المسلمة 4.1 طفل مقارنة 2.9 طفل لدى
المرأة الهندوسية، ومن ثم قدر أن معدلات النمو السكاني للمسلمين تفوقت على الهندوس
بنسبة 10% وذلك خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والأخطر من ذلك أن نسبة
الهندوس في الهند قد تراجعت من 84% في خمسينيات القرن العشرين إلى 79% في الوقت
الحالي، وينظر على أن السبب في هذا التراجع هو تزايد أعداد المسلمين في الهند.
![]() |
نسبة المسلمين في الولايات الهندية |
قد يكون من الصعوبة أن تتبنى الهند وحكومة حزبها الهندوسي سياسات
عنيفة أو اضطهاد ممنهج كما تتبعه حكومة الصين ضد مسلمي الأويغور في تركستان
الشرقية أو حكومة ميانمار ضد مسلمي الروهينجيا، خاصة وأن مبررات الصين أو ميانمار
وغيرها باعتبار المسلمين لديها أقلية لا يمكن أن يكون مبررًا للحكومة الهندية لأن
للإسلام والمسلمين بالهند تاريخ ووجود ضارب في جذور تلك الدولة منذ آلاف السنين،
بل إن شجرة دولة الهند الحديثة ارتوت من دماء المسلمين الذين حملوا لواء الثورة ضد
المحتل البريطاني منذ مئات السنين.
كذلك يلاحظ أن التوزيع الجغرافي لمسلمي الهند يمكن أن يمثل صدام
للهند مع جيرانها خاصة وأنها تجاور دولتي باكستان من الغرب وبنجلاديش من الشرق ثاني
ورابع دول العالم من حيث عدد المسلمين، ناهيك عن الحجم القريب من 200 مليون مسلم
داخل الدولة، ومن ثم فإن هذه الاضطرابات سوف تتوقف لكنها بالتأكيد ستكون علامة
فارقة في مستقبل الإسلام والمسلمين في الهند.
تعليقات
إرسال تعليق