يارب يا غني ... أنا عبد الغني

يا رب يا غني .... أنا عبد الغني
يقول لي حاولت أن أنام لكني لم أستطع، لا أملك مالًا وأعيش في مدينة غريبة لا أعرف فيها أحدًا، قمت من سريري متكاسلًا فطالبتني زوجتي بقائمة طويلة من المطالبات: لبن للطفل، وإفطار، وخضار ولحم أو فراخ لوجبة الغذاء، ولا تنس أن تحضر شاي وسكر، وهو في انتظار اكتمال تلك القائمة يقول لزوجته هل تريدين شيء آخر؟ هل هناك شيء ناقص لم تذكريه؟ حاولت أن أتعايش معه ذلك الموقف المؤلم وأنا أقول له قل لها ليس معي مال لكل تلك الطلبات، قل لها إن كان معها بعض النقود لحين حصولك على راتبك، لكنه نظر لي وقال: هذا لا شأن لها به، فأنا الرجل وأنا المطالب بتلك الأمور.
خرج من البيت وأنا أحاول جاهدًا أن أسير إلى جواره في تلك القصة التي يرويها لي كي أتعايش معه وأعلم منه ماذا حدث له؟ نحن الآن نسير في أحد شوارع مدينة العياط بمحافظة الجيزة في عام 1984، قلت له بالتأكيد لديك أصدقاء في تلك المدينة، فلما لا تطلب منهم بعض النقود لحين حصولك على المرتب؟ خاصة وأنك تعمل في شركة الحديد والصلب وهي شركة مشهود لها بالانضباط في الجانب المالي. قال لي لم أعتد على ذلك الأمر ولم أطلب من أي زميل لي في العمل أي مبلغ من المال، ثم إننا جميعًا في نفس الظروف وبالتأكيد سوف يقولون لي إننا في آخر الشهر وربنا ييسر الأمور حتى نحصل على الراتب.
قلت له إذن ماذا أنت فاعل؟ قال سوف أتجه إلى محطة القطار وأركب القطار القادم وأذهب لبني سويف وهناك آخذ المال من أختي أو أخي وآتي بالطلبات التي طلبتها مني زوجتي في الصباح. فقلت فكرة طيبة، إذن فلتسرع إلى القطار لأن صوت القطار يعلن قرب قدومه، دخل المحطة ودخلت معه، هممت أن أجذبه إلى دخول عربة القطار فوقف مكانه ينظر حوله، قلت له هيا القطار سوف يتحرك وأنت لديك قائمة طويلة من المطالبات وعليك أن تعود لزوجتك وطفلك بها، قال لي ليس لدي نقود كي أدفعها للمحصل بالقطار، قلت له قل له إن جاءك أنه ليس معك نقود، وربما لا يأتي المحصل، المهم أن تذهب لبني سويف وتحصل على ما تحتاجه من نقود، تركني وسار بطول المحطة بجوار القطار ولم يركب ثم انحرف وخرج من أحد مخارج المحطة الجانبية، وسار في طريق جانبي لا يعرف إلى أين يقوده.
وفجأة انتبه إلى صوت شخص ينادي عليه يا عبد الغني .... يا عبد الغني، اتجه إليه وهو يقول له هل تعرفني؟ فرد الرجل عليه بهدوء يا عبد الغني إني أبحث عنك منذ فترة، فتساءل عم عبد الغني في هدوء لماذا؟ فقال له الرجل سمعت أن تجيد الرسم، وأن المعلم فؤاد صاحب محل للأثاث المنزلي يريدك، وعليك أن تذهب إليه الآن، أخذ عم عبد الغني وصف الطريق للمعلم فؤاد وتحرك بهمة للوصول إلى محل الأثاث بناء على ذلك الوصف، وهناك وقف أمام رجل يجلس أمام محل ضخم للأثاث المنزلي، فبادره بالسلام، وأخبره أنه عبد الغني الذي يبحث عنه منذ فترة، فأخذه المعلم فؤاد إلى داخل المحل وقال له سمعت عنك أنك تجيد الرسم وأنا أريدك أن ترسم لي بعض الرسومات على بعض الأثاث المنزلي، فهل تستطيع ذلك؟ فرد عم عبد الغني بالإيجاب، وهنا بدأ التفاوض على طريقة العمل ومتى سيبدأ العمل وما هي أنواع الرسومات المفضلة، وبمجرد الإنتهاء من الاتفاق أخرج المعلم فؤاد مالًا ووضعه في جيبه، فما كان من عم عبد الغني إلا رفض الحصول على المال قائلًا له ليس الآن لندع الأمور المالية لما بعد الإنتهاء من العمل، لكن الرجل أصر على أن يأخذ هذا المال كبداية للعمل.
وافق عم عبد الغني على الأمر ووعد الرجل بأنه سيأتيه غدًا وخرج من المحل وسار في الشارع دون أن ينظر إلى ما في جيبه من مال، حتى أيقن أنه لم يعد في مرمى بصر  الرجل فتنحى جانبًا وأخرج المال من جيبه فإذا به يملك عشرون جنيهًا دفعة واحدة، كاد الرجل أن يبكي فأسرع ليلبي طلبات بيته، فأحضر لبن طفله الرضيع، والإفطار، والشاي والسكر، وأحضر الخضار و2 كيلو من اللحم، وبعد هذه المصاريف جميعًا تبقى له ثمانية جنيهات، وضعها في جيبه ليصرف منها حتى يحين صرف راتب الشهر الجديد...
كم أنت كريم يارب العالمين، ويرزقكم من حيث لا تعلمون.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بن خلدون ونظرية النمو السكاني

اللامدرسية "التمدرس المنزلي" De Schooling

حجاج الخضري ... قائد أهالي الرميلة في حرب 1805 "الأهلية"