مملكة فطاني المسلمة
مملكة فطاني المسلمة
يرجع الفضل لتعريفي بقضية مملكة فطاني الإسلامية
إلى بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول الذي عُقد في المملكة العربية السعودية في
رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1399ه الموافق 1979، وقد كان المؤتمر فرصة طيبة
للحديث عن الكثير من القضايا الجغرافية؛ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
والبيئية التي يموج بها العالم الإسلامي وقتذاك، وكان من تلك القضايا قضية مملكة
فطاني الإسلامية التي تعاني من الاستعمار التايلاندي منذ عام 1785م.
![]() |
الولايات المسلمة في جنوب تايلاند |
تقع مملكة فطاني في جنوب دولة تايلاند وذلك فيما
بينها وبين دولة ماليزيا، وكانت فطاني إحدى الممالك الإسلامية الكبرى في شبه جزيرة
الملايو، وقد اعتنق سكانها الإسلام على يد التجار المسلمون، وقيل في أن سبب تحول
أهل تلك المملكة للإسلام يعود لداعية مسلم يُعرف باسم الشيخ سعيد صفي الدين قام
بمعالجة ملك فطاني الهندوسي من مرض أصابه وتسمى باسم إسماعيل شاه ليتم تأسيس مملكة
فطاني المسلمة في منتصف القرن الثالث عشر، وقيل أن الملك الذي اعتنق الإسلام هو فرايا
توانكو انترا الذي تسمى باسم السلطان محمد شاه وذلك في منتصف القرن الخامس عشر وعلى وجه التقريب عام 1457م، لكن يمكن القول أن
وجود الإسلام في شبه جزيرة الملايو كان أسبق من تحول هذا الملك البوذي، فبفرض صدق
تلك القصة فإن هذا الشيخ كان موجود قبل أن يسلم الملك، كما أن المسلمين كانوا بشبه
الجزيرة منذ مئات السنين يعملون بالتجارة مع الصين ودول جنوب شرق آسيا، كذلك فإن
الإسلام اتخذ أكثر من محور للتوغل في شبه جزيرة الملايو أولهما من الجنوب حيث
العرب التجار وخاصة الحضارمة منهم الذين أسسوا الموانئ وتاجروا مع أهلها، والثاني
من الشمال عن طريق الصين قادمًا كذلك مع المسلمين العرب والهنود الذي عاشوا بمنطقة
يونان الصينية.
قدرت مساحة مملكة فطاني في أوجها بنحو 50 ألف ميل
مربع، وكانت تشمل الولايات الجنوبية لمملكة تايلاند الآن، وهي ولايات ناراتيوات ويالا
وسونغكلا وولاية فطاني بالطبع إلى جانب الولايات الشمالية من دولة ماليزيا وهي
ولايات كلنتن وقدح دار الأمان وترغكانوا دار الإيمان، وقد عاشت مملكة فطاني عصرها
الذهبي كما قيل في ظل ملكاتها الأربع منذ عام 1584 وهن راتو هيجاو "الملكة
الخضراء"، وراتو بيرو "الملكة الزرقاء"، وراتو أونجو "الملكة
الارجواني"، وراتو كونينج "الملكة الصفراء"، وكانت مملكة فطاني في
تلك الفترة قادرة على صد محاولات مملكة تايلاند البوذية للسيطرة عليها، ولكن بوفاة
الملكة الصفراء دخلت مملكة فطاني فترة من الاضطرابات انتهت بسيطرة مملكة آسام
عليها وذلك منذ عام 1785 وتأكد هذا الوضع بتوقيع معاهدة بورناي عام 1826 بين راما
الثالث ملك آسام وهنري بورناي وكيل شركة الهند البريطانية، وتلى هذه المعاهدة
معاهدة عام 1909 وفيها اعترفت بريطانيا بسيادة آسام على أقاليم مملكة فطاني مقابل
تنازل ملك آسام عن ولايات فطاني الجنوبية لبريطانيا، ولكن رغم هذا فإن مسلمي فطاني
ثاروا ضد الحكم الآسامي وقاموا بالعديد من الثورات للخلاص من هذا الحكم البوذي، ونتيجة
لذلك قامت دولة آسام بتقسيم إقليم فطاني لسبعة مناطق إدارية ليسهل السيطرة عليها.
![]() |
دولة تايلاند |
وكان للمسلمين في فطاني دورًا في مقاومة السيطرة
اليابانية على شبه جزيرة الملايو في الحرب العالمية الثانية، وتولى قيادة المقاومة
تينغكو محمود محي الدين أحد القيادات البارزة في فطاني وابن آخر حاكم
"راجا" لفطاني دورًا كبيرًا في هذه المقاومة، وكان من جراء ذلك أن حصل
المسلمون على حق السلطة الذاتية في فطاني، ورغم هذه الجهود فإن المسلمين في الجنوب
لم يحصلوا على ما كانوا يتمنونه، ثم جاء الانقلاب العسكري الذي حدث عام 1948 ليقضي
على المفاوضات التي كانت بين ممثلي المسلمين في فطاني والحكومة، وكان لظهور حاجي
سولونج توكمينا احد القيادات المقاومة للاحتلال الياباني دورًا كبيرًا في إعادة
إحياء الشعور القومي الإسلامي في منطقة فطاني، وتم إلقاء القبض عليه وعدد ومن
قيادات الحركة الإسلامية في فطاني ووجهت إليهم تهم الخيانة، وقد اختفى حاجي سولونج
ولم يتم العثور عليه، ولا زالت أفكار سولونج حية بين أبناء منطقة فطاني.
ومنذ عام 1948 حتى الآن يموج جنوب تايلاند، بحالة
من التمرد والمواجهات الدامية التي كان نتيجتها مئات من القتلى وآلاف من المصابين،
وحركة نزوح وهجرة من تلك المناطق إلى ولايات شمال ماليزيا، وكان عام 2004 بداية عنيفة
لموجة من القتل والإبادة الجماعية لكثير من المسلمين في فطاني، ونتج عن ذلك تفجير
مسجد كرسيك التاريخي، واعتقال العلماء والشباب وتوجيه تهم الإرهاب لهم، ولا زالت
المواجهات قائمة ضد مسلمي فطاني وما جاورها، وكان نتيجة لهذا الصراع أن اتسعت رقعته
ليشمل صدام بين المسلمين والأقليات التي تعيش بينهم الأمر الذي برر إلصاق تهم
الإرهاب والتطرف على الجماعات الإسلامية التي كانت تطالب في السابق بحقها في
الاستقلال الذاتي وممارسة معتقداتهم الدينية بالإضافة لحقهم في تعليم أبناءهم في
مدارس إسلامية يقيمونها على حسابهم الخاص إن لم تشارك الحكومة المركزية في توفيرها
أو دعمها.
![]() |
التعليم في فطاني تحت تهديد السلاح |
يعيش في فطاني الجزء الأكبر من مسلمي تايلاند
المقدر بنحو ستة ملايين مسلم أو ما يعادل 10% من سكان الدولة، ورغم صغر مساحة
فطاني بمقارنة بما كانت عليه في الماضي فإنها تملك الكثير من الموارد الاقتصادية
أهمها اطلالتها على بحر الصين الجنوبي وخليج تايلاند وثرواتها المعدنية من الذهب
والقصدير، كما تنتج كميات كبيرة من المطاط الطبيعي والأخشاب وجوز الهند وثرواتها
السمكية، وإنتاجها الزراعي المتميز من الأرز أضف لذلك إمكانياتها البترولية والغاز
الطبيعي الأمر الذي جعلها مركز ثروة كبير لدولة تايلاند وقد تتضاعف تلك الثروة مع الاكتشافات
الجديدة من البترول والغاز الطبيعي، من أجل ذلك كان تمسك حكومة تايلاند بفطاني وما
جاورها من ولايات مسلمة.
![]() |
جامع فطاني المركزي |
وقد حرمت حكومة تايلاند مسلميها من استخدام اللغة
الملايوية أو العربية في الدراسة وفرضت عليهم اللغة التايلاندية، كما شددت عليهم
في إغلاق الكتاتيب والمدارس الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم، بالإضافة لمحاولات
الحكومة في فرض التغيير الديموغرافي على المنطقة من خلال توطين الكثير من الأقليات
خاصة البوذية في مناطق فطاني المسلمة، وحرمان سكانها المسلمون من تملك أراضيها الخصبة
وإعطائها للأقلية البوذية، وهدم كثير من المساجد الأثرية وسائر المعالم التاريخية
الإسلامية فيها.
![]() |
مسيرة من المسلمين والبوذيين تنتهي أمام الجامع المركزي بفطاني |
لم يفقد المسلمون في ولايات الجنوب التايلاندي خاصة
فطاني أملهم في أن يحصلوا على ما قاتلوا من أجله على مدى مئات السنين، وشروطهم
واضحة لأي محاولة للتصالح والتي تتمثل في؛ تطبيق الشريعة الإسلامية، استخدامهم
للغة الملايوية، الاعتراف بالعرقية والقومية الملايوية، إنشاء سلطة إدارية لمناطق
ولايات الجنوب، ورغم أن حكومات تايلاند لا زالت ترفض هذه الشروط لأنهم كما يقولون
دولة وشعب التاي، فإن جهود مسلمي فطاني سوف تكلل بالنجاح في النهاية، كما سبقهم في
ذلك النجاح مسلمو جنوب الفلبين.
السلام عليكم ورحمة الله
ردحذفأتمنى التواصل معك على هذا الايميل وشكرا
بارك الله فكيم يشرفني التواصل
حذف