النبي دانيال بين الإسكندرية وشوشان


النبي دانيال بين الإسكندرية وشوشان
النبي دانيال هو أحد الأنبياء الأربعة الكبار في التراث اليهودي المسيحي  إلى جانب كل من من إشعياء وإرمياء وحزقيال، واسم دانيال بالعبرية يعني "الله هو القاضي"، ويعد دانيال الشخصية المركزية في سفر دانيال وطبقًا للرواية التوراتية فإن دانيال اقتيد للسبي البابلي حيث تلقى تعليمه هناك. وأُتي بأمر نبوخذ نصر إلى بابل  مع ثلاثة فتيان من الأشراف: هم حننيا وميشائيل وعزريا سنة 605 ق.م. فتعلم هناك لغة الكلدانيين ورشح مع رفقائه الثلاثة للخدمة في القصر الملكي. وفقًا للرواية التوراتيّة تعلم دانيال ثلاث سنين وأعطاه الله فرصة لإظهار علمه وحكمته ففسر حلمًا لنبوخذ نصر كان قد أزعجه، وبذلك أصبح شخصية بارزة في بلاط بابل. وقد مرّ دانيال في تجارب ورؤى في الأسر البابلي، وكغيره من الأنبياء والصالحون من رجال الله تكاثرت واختلفت الآراء حول المكان الذي دفن فيه نبي الله دانيال، وهناك حديث عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: "إن دانيال دعا ربه أن تدفنه أمة محمد"، وعليه فإن النبي دانيال هو النبي الذي  دفن بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
صورة تخيلية للنبي دانيال مع الأسود الجائعة
يوجد في مدينة الإسكندرية المصرية أحد الشوارع التي تحمل اسم النبي دانيال، ويقال أن هذا الشارع جزء من الطريق الطولي لمدينة الإسكندرية، الذي كان يمثل، إلى جانب الطريق العرضي، أحد طريقي مدينة الإسكندرية الرئيسية منذ تأسيسها على يد الإسكندر الأكبر عام 332ق.م، اشتهر هذا الشارع وحمل اسم النبي دانيال، ويرجع ذلك إلى الاعتقاد في أن جثمان النبي دانيال يوجد ضريح تم بناء مسجد عليه وقد سمى المسجد باسمه  المسجد النبي دانيال، وأعطى المسجد اسمه للشارع الذي يطل عليه.
مسجد النبي دانيال بالإسكندرية
وقد ذَكر بن إياس في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" قصة النبي دانيال ومجيئه إلى الإسكندرية، وقصة العثور عليه فيقول "أنه لما فتحت مدينة الإسكندرية في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد عمر بن العاص ودخلها المسلمون رأو مخبأة مقفولة بأقفال من الحديد ففتحوها فوجدوا فيها حوضًا من الرخام الأخضر مغطى برخامة خضراء فكشفوها فإذا فيها رجل عليه أكفان منسوجة بالذهب عظيم الخلقة فقاسوا أنفه فزاد على شبرين فأرسلوا ليعلموا عمر بن الخطاب فأحضر عليًا رضي الله عنه وأخبره بذلك فقال علي رضي الله عنه هذا نبي الله دانيال فأرسل عمر رضي الله عنه بأن يجددوا له أكفانًا فوق ما عليه من الأكفان وأن يحصن قبره حتى لا يقدر أحد على فحره فحفروا له قبرًا في مدينة الإسكندرية".
ضريح النبي دانيال في شوشان بإيران
 لكن هذه القصة تتعارض مع قصة أخرى حدثت كذلك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، فقد أتى في كتاب البداية والنهاية، أنه عند فتح مدينة تستر في فارس عثر في بيت مال الهرمزان على سرير عليه رجل ميت عند رأسه مصحف، فأخذوا ذلك المصحف إلى عمر بن الخطاب فدعى له كعبًا فنسخه بالعربية، وكانت السماء إذا حبست عنهم يستمطرون به حيث يبرزوا سريرهم للسماء، وقد حفروا بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرقة وباليل دفنوه وسويت القبور كلها لتعميته على الناس فلا ينبشونه، وكان هذا الذي على السرير هو النبي دانيال.
وبالمقارنة بين القصتين للوقوف على حقيقة أين يوجد النبي دانيال؟ يمكن القول أن النبي دانيال يوجد في إيران بمدينة سوسة أو شوشان، وليس بالإسكندرية ولا توجد أدنى علاقة بين النبي دانيال واسم الشارع الذي يحمل اسمه أو حتى المسجد الذي يوجد فيه ضريحه ناهيك عن المعبد اليهودي الذي تسمى باسمه.
وحقيقة الأمر أن القول بأن ضريح النبي دانيال يوجد في ذلك المسجد المعروف باسمه بمدينة الإسكندرية أمرًا بعيدًا خاصة وأنه ما يدفع "دانيال" للمجئ لمصر  والإقامة في قرية صغيرة للغيرة أمرًا بعيد الحدوث ويرجع ذلك لعدة أسباب؛
·       أنه كان ذا مكانة جيدة في ظل الدولة البابلية الثانية "الأكادية" وتولى لبختنصر وابنه حكم بعض الولايات الواقعة في منطقة الأحواز بمدينة عيلام الحضارية الشهيرة، وعليه فليس هناك ما يدفع النبي دانيال لترك تلك المكانة للذهاب إلى مصر ولمدينة الإسكندرية غير الموجود آنذاك.
·       أن مدينة الإسكندرية لم تكن قد أنشئت في ذلك الحين وذلك لأن النبي دانيال قد عاش في القرن السادس قبل الميلاد، وأنها بنيت بعد ذلك بثلاثة قرون على الأقل فما الداعي لأن يترك تلك المملكة الكبيرة "الدولة البابلية" ليعيش في قرية راقودة أو جزيرة فاروس حيث تم بناء الإسكندرية فيما بعد.
·       أن خروج دانيال من العراق إلى مصر لم يكن من الجائز كذلك، وذلك لأن الصراع بين مصر والدولة البابلية الثانية كان على أشده في تلك الفترة، وأن لجوء دانيال لمصر كان يعني الفرار واللجوء السياسي بلغة هذا اليوم، ولو حدث ذلك لما عاش في قرية راقودة، ولكنه كان سيعيش معززًا مكرمًا في مركز الحكم وقصبته وأعنى بذلك مدينة صا الحجر عاصمة الأسرة السادسة والعشرين، الواقعة بمركز بسيون بمحافظة الغربية الآن.
·       كذلك فإن كان هناك خلاف على مكان جثمان النبي دانيال فإن المدن التي تتشارك فيما بينها بوجود قبر النبي دانيال ليس من بينها الإسكندرية، وهذه المدن تتمثل في الآتي: أربعة مدن بالعراق وهي بابل، والموصل، وكركوك، والمقدادية، ومدينة سمرقند بأوزبكستان، ومدينة أخرى في إيران تعرف باسم ملامير بالقرب من مدينة ديزفول.
·       وبالإضافة إلى تلك المدن الستة وكذلك مدينتي شوشان والإسكندرية هناك إدعاءات بوجود ضريح للنبي دانيال في المغرب حيث ما يعرف باسم جرف اليهودي وهو مكان يزار من قبل اليهود والمسلمين بالمغرب ويعرف باسم ضريح سيدي دانيال، وفي تركيا هناك ضريح كذلك في مدينة طرسوس ويقال بأن قبر النبي دانيال يوجد في جامع طرسوس الكبير.
مقبرة النبي دانيال في سمقرقند
 وفي الختام فإن الأقرب للوقائع التاريخية أن النبي دانيال عليه السلام قد دفن في مكان ما بمنطقة الأحواز فيما بين العراق وإيران، وأميل إلى تصديق رواية البداية والنهاية بعثور الصحابة عليه عند فتحهم لمدينة تستر، أما المسجد الذي يوجد بالإسكندرية فهو يحمل اسم أحد شيوخ المذهب الشافعي واسمه "محمد دانيال الموصلي"، الذي اتخذ من مدينة الإسكندرية مقرًا له لتدريس أصول الفقه وعلم الفرائض حتى وفاته عام 1407م، وقد تم بناء المسجد عام 1790م على موضع دفن ذلك الشيخ، في وقت كانت الإسكندرية لا تضم إلا حيين فقط هما رأس التين والجمرك، ومنذ ذلك الوقت برزت مكانة المسجد واشتهر وراجت قصص ضريح النبي دانيال بل والقول بأن هناك قبر آخر إلى جوار قبل النبي دانيال يوجد به جثمان سيدنا الخضر!!!.
ضريح النبي دانيال في الجامع الكبير بمدينة طرسوس

تعليقات

  1. قبره مخفياً ومعفياً ولا أحد يعلمه على وجه الدقة واليقين والقطع والجزم والا لما وصل تعداد اماكن قبورهِ الى 12 مكان!!!

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بن خلدون ونظرية النمو السكاني

اللامدرسية "التمدرس المنزلي" De Schooling

حجاج الخضري ... قائد أهالي الرميلة في حرب 1805 "الأهلية"